للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ حَافِظَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ لَا يُكَافِئُ ابْنَةَ مَنْ لَا يَحْفَظُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ) عُرْفًا (لَا يُعْتَبَرُ) فِي بَدْوٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا عَرَبٍ وَلَا عَجَمٍ لِأَنَّ الْمَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ وَحَالٌ حَائِلٌ وَطَوْدٌ مَائِلٌ وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ، وَأَمَّا خَبَرُ «الْحَسَبُ الْمَالُ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» فَمَحْمُولٌ أَوَّلُهُمَا عَلَى أَنَّ حِكْمَتَهُ مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ الْآخَرِ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِحَسَبِهَا وَمَالِهَا» الْحَدِيثَ: أَيْ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَغْرَاضِ ذَلِكَ، وَوُكِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَأْنُ ذَمِّ الْمَالِ إلَى مَا عُرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَمِّهِ، لَا سِيَّمَا قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: ٣٣] إلَى قَوْلِهِ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٣٥] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَوْ سَوِيَتْ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ: لَا يَكْفِي فِي الْخُطْبَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ مِمَّا تَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُو الْمَعَادِ أَيْضًا.

وَثَانِيهمَا عَلَى أَنَّهُ تَصِحُّ بِمَا يُعَدُّ عُرْفًا مُنَفِّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنَفِّرًا شَرْعًا فَانْدَفَعَ مَا لِلْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا.

وَالثَّانِي لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُنْفِقْ عَلَى الْوَلَدِ وَتَتَضَرَّرُ هِيَ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ لَهَا عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ بِهِ غَيْرُهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِالْإِجْبَارِ بِمُعْسِرٍ بِحَالِ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْيَسَارِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ وَالْبَلَدُ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ الْبُخْلُ وَالْكَرَمُ وَالطُّولُ وَالْقِصَرُ مُعْتَبَرًا.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيمَا إذَا أَفْرَطَ الْقِصَرُ فِي الرَّجُلِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ مِمَّنْ هُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا تَتَعَيَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ (لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ) أَيْ إذْ لَا تُجْبَرُ نَقِيصَةٌ بِفَضِيلَةٍ، فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ عَجَمِيَّةٌ بِرَقِيقٍ عَرَبِيٍّ، وَلَا سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ، وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ دَنَاءَةَ نَسَبِهِ تَنْجَبِرُ بِعِفَّتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَنَّ الْأَمَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُقَابِلُهَا الْحُرُّ الْعَجَمِيُّ وَمَا حَكَاهُ الشَّارِحُ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ التَّنَقِّي مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يُعَارِضُهُ الصَّلَاحُ وِفَاقًا وَالْيَسَارُ إنْ اُعْتُبِرَ يُعَارِضُ بِكُلِّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَنْ يُسَمَّى عَالِمًا فِي الْعُرْفِ وَهُوَ الْفَقِيهُ وَالْمُحَدِّثُ وَالْمُفَسِّرُ لَا غَيْرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا يُكَافِئُ ابْنَةَ إلَخْ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَحْفَظُ نِصْفَهُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ لَا يُكَافِئُ ابْنَةَ مَنْ يَحْفَظُهُ كُلَّهُ لِوَاحِدٍ أَوْ يَحْفَظُهُ بِقِرَاءَةٍ مُلَفَّقَةٍ (قَوْلُهُ: مَنْ لَا يَحْفَظُهُ) وَكَمَا اُعْتُبِرَ حِفْظُ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ الْأَبِ كَذَا يُعْتَبَرُ فِي بَقِيَّةِ أُصُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَالِمِ وَالْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَحَالَ حَائِلٌ إلَخْ) هَذِهِ الْمَعَاطِيفُ مَعَانِيهَا مُخْتَلِفَةٌ لَكِنْ الْمُرَادُ مِنْهَا وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَطَوْدٌ مَائِلٌ) أَيْ جَبَلٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ يَحْمِي عَبْدَهُ مِنْ الدُّنْيَا) أَيْ الزَّائِدَةِ عَلَى الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ) أَيْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: بِحَالِ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ) وَمِنْهُ مَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مَحْجُورَهُ الْمُعْسِرَ بِنْتًا بِإِجْبَارِ وَلِيِّهَا لَهَا ثُمَّ يَدْفَعُ أَبُو الزَّوْجِ الصَّدَاقَ عَنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ كَانَ حَالَ الْعَقْدِ مُعْسِرًا، فَالطَّرِيقُ أَنْ يَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ مُقَدَّرَ الصَّدَاقِ وَيُقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يُزَوِّجَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ عَنْ ابْنِهِ مُقَدَّمَ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هِبَةً لَكِنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهَا بَلْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ هِبَةٌ ضِمْنِيَّةٌ لِلْوَلَدِ، فَإِنْ دَفَعَهُ لِوَلِيِّ الزَّوْجَةِ فِي قُوَّةِ أَنْ يَقُولَ: مَلَّكْت هَذَا لِابْنِي وَدَفَعْته لَك عَنْ صَدَاقِ بِنْتِك الَّذِي قُدِّرَ لَهَا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْبُخْلُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: مِمَّا تُعَيَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ) أَيْ وَمَعَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ بِهِ غَيْرُهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُوسِرٌ غَيْرُهَا، وَالْبَاءُ فِي بِلُزُومِ بِمَعْنَى مَعَ، فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>