وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] الْآيَةَ، وَلَمْ يُعِدْ دَخَلْتُمْ لِأُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ أَيْضًا وَإِنْ اقْتَضَتْهُ قَاعِدَةُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ رُجُوعِ الْوَصْفِ وَنَحْوِهِ لِسَائِرِ مَا تَقَدَّمَهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إنْ اتَّحَدَ الْعَامِلُ وَهُوَ هُنَا مُخْتَلِفٌ، إذْ عَامِلُ نِسَائِكُمْ الْأُولَى الْإِضَافَةُ، وَالثَّانِيَة حَرْفُ الْجَرِّ، وَلَا نَظَرَ مَعَ ذَلِكَ لِاتِّحَادِ عَمَلِهِمَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَامِلِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ بِحُكْمٍ، وَمُجَرَّدُ الِاتِّفَاقِ فِي الْعَمَلِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَذِكْرُ الْحُجُورِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ تَحْرِيمِ بِنْتِ زَوْجِ الْأُمِّ، أَوْ الْبِنْتِ، أَوْ أُمِّهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ أُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ، أَوْ الِابْنِ، أَوْ بِنْتِهَا، أَوْ زَوْجَةِ الرَّبِيبِ أَوْ الرَّابِّ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْمَذْكُورَاتِ.
(وَمَنْ) (وَطِئَ امْرَأَةً) حَيَّةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (بِمِلْكٍ) وَلَوْ فِي دُبُرِهَا (حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ) إجْمَاعًا وَتَثْبُتُ هُنَا الْمَحْرَمِيَّةُ أَيْضًا (وَكَذَا) الْحَيَّةُ (الْمَوْطُوءَةُ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ (بِشُبْهَةٍ) إجْمَاعًا أَيْضًا لَكِنْ لَا تَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ.
ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ هُنَا: أَيْ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَفِي لُحُوقِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ (فِي حَقِّهِ) كَأَنْ وَطِئَهَا بِفَاسِدِ نِكَاحٍ وَكَظَنِّهَا حَلِيلَتَهُ (قِيلَ، أَوْ) تُوجَدُ شُبْهَةٌ فِي (حَقِّهَا) كَأَنْ ظَنَّتْهُ حَلِيلَهَا، أَوْ كَانَ بِهَا نَحْوُ وَإِنْ عُلِمَ فَعَلَى هَذَا بِأَيِّهِمَا قَامَتْ الشُّبْهَةُ أَثَّرَتْ، نَعَمْ الْمُعْتَبَرُ فِي النَّهْرِ شُبْهَتُهَا فَقَطْ.
وَمِنْهَا أَنْ تُوطَأَ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَإِنْ اعْتَقَدَتْ التَّحْرِيمَ فَلَيْسَتْ مُسْتَثْنَاةً خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ لِمَا مَرَّ أَنَّ مُعْتَقِدَ تَحْرِيمِهِ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَلَا أَثَرَ لِوَطْءِ خُنْثَى لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ مَا أَوْلَجَ بِهِ، أَوْ فِيهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفُتُوحِ (لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا) فَلَا يَثْبُتُ لَهَا وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا حُرْمَةُ مُصَاهَرَةٍ بِالزِّنَا الْحَقِيقِيِّ، بِخِلَافِهِ مِنْ مَجْنُونٍ فَإِنَّ الصَّادِرَ مِنْهُ صُورَةُ زِنًا فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ وَالْمُصَاهَرَةُ، وَلَا لَاطَ بِغُلَامٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْفَاعِلِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتِهِ (وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةً) بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُفَاخَذَةٍ (بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عِدَّةً فَكَذَا لَا تُوجِبُ حُرْمَةً.
وَالثَّانِي كَالْوَطْءِ بِجَامِعِ التَّلَذُّذِ بِالْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَكَانَ كَالْوَطْءِ، وَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ لَمْسُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِهِ، بِخِلَافِ لَمْسِ الزَّوْجَةِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هَذَا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ مَنْطُوقًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِمْ يُضَافُ إلَيْهِمْ بِالتَّصْرِيحِ (قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَ الْعَامِلُ) أَيْ وَلَوْ مَعْنًى نَحْوَ قَوْلِك وَقَفْت دَارِي عَلَى أَوْلَادِي وَحَبَسْت ضَيْعَتِي عَلَى أَقَارِبِي وَسَبَّلْت بُسْتَانِي عَلَى عُتَقَائِي الْمَحَاوِيجِ مِنْهُمْ، وَمَا هُنَا مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْأَوَّلِ الْإِضَافَةُ وَالثَّانِي حَرْفُ الْجَرِّ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً) أَيْ، أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا تَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ) أَيْ فَتَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَيَحْرُمُ نَظَرُهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا رَاجِعٌ لِلشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: فِي نِكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ) أَيْ وَكَذَا بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِوَطْءِ خُنْثَى) أَيْ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى وَطْئِهِ حُرْمَةٌ لِأَصْلِهِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ (قَوْلُهُ: لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ خَرَجَ مَنِيُّهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ ثُمَّ اسْتَدْخَلَتْهُ زَوْجَتُهُ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ ثُمَّ سَالَ الْمَنِيُّ وَأَخَذْته فِي خِرْقَةٍ وَاسْتَدْخَلَتْهُ وَحَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ مِنْ مَجْنُونٍ) قَالَ حَجّ: أَوْ مُكْرَهٍ.
قَالَ سم عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ: نَعَمْ وَطْءُ الْمُكْرَهِ وَالْمَجْنُونِ مِنْ أَقْسَامِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُكْرَهِ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا عَنْ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: لِمَسِّ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ) أَيْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِسَبَبٍ مُبَاحٍ) أَيْ كَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ، قَالَهُ الشِّهَابُ سم، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا سَيَأْتِي مِنْ اسْتِثْنَاءِ الزَّرْكَشِيّ وَالتَّنْظِيرِ فِيهِ بِمَا يَأْتِي يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ الْمُبَاحِ ظَنُّ الْإِبَاحَةِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: فَرَّعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي) قَدْ يُقَالُ: يُنَافِي هَذَا تَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي) صَوَابُهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي