لِلشُّرْبِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ، وَيَلْحَقُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ عُرْفًا، بِخِلَافِ مُتَغَيِّرٍ بِنَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ، نَعَمْ لَوْ احْتَاجَهُ لِعَطَشِ بَهِيمَةٍ فَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ لُزُومُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعِيَافَةِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِعَطَشٍ أَوْ مَرَضٍ عَاصٍ بِسَفَرِهِ حَتَّى يَتُوبَ، فَإِنْ شَرِبَ الْمَاءَ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَمْ يُعِدْ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِاحْتِيَاجِهِ لَهُ لِغَيْرِ الْعَطَشِ مَآلًا كَبَلِّ كَعْكٍ وَفَتِيتٍ وَطَبْخِ لَحْمٍ، بِخِلَافِ حَاجَتِهِ لِذَلِكَ حَالًا فَلَهُ التَّيَمُّمُ مِنْ أَجْلِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ كَالْعَطَشِ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى الْحَاجَةِ الْمَآلِيَّةِ، وَلِلظَّامِئِ غَصْبُ الْمَاءِ مِنْ مَالِكٍ غَيْرِ ظَامِئٍ وَمُقَاتَلَتُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ هَدَرٌ أَوْ الظَّامِئُ ضَمِنَهُ، وَلَوْ احْتَاجَ مَالِكُ مَاءٍ إلَيْهِ مَآلًا وَثَمَّ مَنْ يَحْتَاجُهُ حَالًا لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ حَاجَةَ غَيْرِهِ لَهُ مَآلًا لَزِمَهُ التَّزَوُّدُ لَهُ إنْ قَدَرَ، وَإِذَا تَزَوَّدَ لِلْمَآلِ فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَإِنْ سَارُوا عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَالْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ مَاءَانِ طَاهِرٌ وَنَجَسٌ وَبِهِ ظَمَأٌ أَوْ يَتَوَقَّعُهُ تَيَمَّمَ وَشَرِبَ الطَّاهِرَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ النَّجَسِ وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ، وَضَابِطُ الْعَطَشِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ مَا يَأْتِي فِي خَوْفِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي بَذْلِهِ إنْقَاذًا مِنْ الْهَلَاكِ، وَتَرْكُهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ لِإِهْلَاكِ مَنْ عَلِمَ احْتِيَاجَهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ عُرْفًا) أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ: أَيْ فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْهُ ثُمَّ جَمَعَهُ: أَيْ لِلشُّرْبِ مِنْهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مُسْتَقْذَرٌ وَطَهُورٌ لَا يُكَلَّفُ شُرْبَ الْمُسْتَقْذَرِ وَاسْتِعْمَالَ الطُّهُورِ.
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مُتَغَيِّرٍ بِنَحْوِ إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شُرْبُهُ وَيَتَوَضَّأُ بِالطَّهُورِ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعِيَافَةِ) وَمِثْلُ الدَّابَّةِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ: أَيْ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فِي الْمُسْتَقْذَرِ الطَّاهِرِ لَا فِي النَّجَسِ اهـ حَجّ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُحْتَاجُ لِلْمَاءِ حَاضِرًا هَلْ يَلْزَمُ مَنْ مَعَهُ الْمَاءُ اسْتِعْمَالُهُ وَجَمْعُهُ وَدَفْعُهُ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ مَنْ شَأْنُهُ أَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الثَّانِي، وَلَوْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ مَعَ غُرْمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَعْمَلًا وَغَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَلْيُرَاجَعْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَالِكُ مَعَ حُضُورِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَاءِ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَبَلِّ كَعْكٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بِالْبَلِّ، وَصَرَّحَ حَجّ بِخِلَافِهِ فَقَيَّدَهُ بِمَا لَمْ يَعْسَرْ اسْتِعْمَالُهُ اهـ وَأَخَذَ سم عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهُ فَقَالَ لَوْ عَسِرَ اسْتِعْمَالُهُ بِدُونِ الْبَلِّ كَانَ كَالْعَطَشِ اهـ (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِكٍ غَيْرِ ظَامِئٍ) أَيْ بِقَرِينَةٍ: دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ إلَخْ) أَيْ وَيُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ عَلَى الدَّابَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ مِنْ إلْقَاءِ الدَّوَابِّ لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ، وَهَلْ يُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ عَلِمَ هَلَاكُهَا وَانْقِطَاعُهُ عَنْ الرُّفْقَةِ وَتَوَلَّدَ الضَّرَرُ لَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ خَشْيَةَ الضَّرَرِ مُسْتَقْبَلَةٌ وَقَدْ لَا تَحْصُلُ فَقُدِّمَتْ الْحَاجَةُ الْحَالِيَّةُ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُؤْثَرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ حَالًا وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فِي الْمَآلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَالْقَضَاءُ) أَيْ لَمَّا كَانَتْ تَكْفِيه تِلْكَ الْفَضْلَةُ بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِ الْغَالِبَةِ فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ فَقَالَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ: أَيْ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ السَّابِقَةِ لَا لِمَا تَكْفِيه تِلْكَ الْفَضْلَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ اهـ.
أَقُولُ: وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فُعِلَتْ وَمَعَهُمْ مَاءٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، فَوُجُوبُ قَضَاءِ الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ مَا اسْتَقَرَّ بِهِ سم مِنْ احْتِمَالَيْنِ أَبْدَاهُمَا فِي كَلَامِ حَجّ تَحْكُمُ (قَوْلُهُ: مَا يَأْتِي فِي خَوْفِ الْمَرَضِ)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ عُرْفًا إلَخْ) لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّ مَعَهُ مَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْذَرٌ عُرْفًا: أَيْ لَا يَصِحُّ الطُّهْرُ بِهِ لِتَغَيُّرِهِ بِمَا يَضُرُّ، وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شُرْبُ الْمُسْتَقْذَرِ وَالتَّطَهُّرُ بِالْآخَرِ، بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ فَيَلْزَمُهُ شُرْبُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالطُّهْرُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَفِي التُّحْفَةِ مِثْلُهُ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ مَرِضَ) أَيْ عَصَى بِهِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسْأَلَةِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ: عَاصٍ بِسَفَرِهِ) أَيْ أَوْ مَرَضِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ احْتِيَاجُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ حَالًا، فَقَوْلُهُ، وَالْقَائِلُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ أَطْلَقَ، وَالتَّقْدِيرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute