(الثَّالِثُ) مِنْ الْأَسْبَابِ (مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ (عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) أَيْ كَعَمًى وَصَمَمٍ وَخَرَسٍ وَشَلَلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: ٦] الْآيَةُ، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ، أَوَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ حَاصِلًا عِنْدَهُ، وَلَكِنْ خَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْإِفْضَاءَ إلَيْهِ تَيَمَّمَ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الْحَاصِلِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْفَعَةِ عُضْوٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوَالِهَا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا سَبَقَ وَنَقْصِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا الْجَوَازُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ سُقُوطِ عُضْوٍ بِالْأَوْلَى، فَلِذَلِكَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ.
نَعَمْ مَتَى عَصَى بِسَبَبِ الْمَرَضِ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ تَيَمُّمِهِ عَلَى تَوْبَتِهِ لِتَعَدِّيهِ وَالْعُضْوُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا (وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ) وَهُوَ طُولُ مُدَّةِ الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْأَلَمُ وَكَذَا زِيَادَةُ الْعِلَّةِ وَهُوَ إفْرَاطُ الْأَلَمِ وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ (أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ) مِنْ نَحْوِ تَغَيُّرِ لَوْنٍ وَنُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُهُ إلَّا بَعْدَ إخْبَارِ طَبِيبٍ عَدْلٍ بِأَنَّ عَدَمَ الشُّرْبِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ.
(قَوْلُهُ: يَخَافُ مَعَهُ) شَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِالْخَوْفِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: الْعَدْلُ قَدْ يَخْشَى مِنْهُ التَّلَفَ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَمِيرَةُ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْفَعَةِ عُضْوٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَأَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِظَنِّهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكْفِي وَأَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ» ) فِي حَجّ «قَتَلَهُمْ اللَّهُ» اهـ.
وَلَا يُشْكِلُ هَذَا الدُّعَاءُ وَأَمْثَالُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهَا حَقِيقَتُهَا بَلْ يُقْصَدُ بِهَا التَّنْفِيرُ (قَوْلُهُ: «أَوْ لَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعَيِّ» ) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ اهْتِدَاءُ الْجَاهِلِ السُّؤَالَ، وَالْمَعْنَى: أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ اهْتِدَاءِ الْجَاهِلِ السُّؤَالَ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْعَيُّ ضِدُّ الْبَيَانِ، وَقَدْ عَيَّ فِي مَنْطِقِهِ فَهُوَ عَيٌّ عَلَى فَعْلٌ إلَى أَنْ قَالَ: وَعَيَّ بِأَمْرِهِ عَيًّا إذَا لَمْ يَهْتَدْ لِوَجْهِهِ (قَوْلُهُ: وَنَقَصَهَا) أَيْ نَقْصًا يَظْهَرُ بِهِ خَلَلٌ عَادَةً (قَوْلُهُ: نَعَمْ مَتَى عَصَى إلَخْ) هَذِهِ عُلِمَتْ بِالْأُولَى مِنْ قَوْلِهِ قُبَيْلَ الثَّالِثِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِعَطَشٍ أَوْ مَرَضٍ عَاصٍ بِسَفَرِهِ حَتَّى يَتُوبَ (قَوْلُهُ: بُطْءُ الْبُرْءِ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا فِيهِمَا حَجّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ طُولُ مُدَّةِ الْمَرَضِ) أَيْ مُدَّةً يَحْصُلُ فِيهَا نَوْعُ مَشَقَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ وَقْتَ صَلَاةٍ أَخَذَا مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ: مُدَّةُ الْمَرَضِ) فَسَّرَهُ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ: أَيْ طُولَ مُدَّتِهِ.
أَقُولُ: وَعِبَارَةُ م ر أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ لِأَنَّ طُولَ مُدَّةِ الْبُرْءِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ مَعْنَاهُ اسْتِمْرَارُ السَّلَامَةِ زَمَانًا طَوِيلًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مُرَادًا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَحَلِّيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْبُرْءُ، وَالْإِضَافَةُ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ (قَوْلُهُ: إفْرَاطُ الْأَلَمِ) أَيْ زِيَادَتُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْتَمَلَ عَادَةً، بِخِلَافِ أَلَمٍ يَسِيرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ اهـ حَجّ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْأَلَمِ أَوْ زِيَادَتِهِ مُبِيحًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ بِسَبَبِ الْجُرْحِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْأَلَمِ يَنْشَأُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلُ، لَكِنْ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ الْأَلَمِ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُبِيحُهُ التَّأَلُّمُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِجُرْحٍ أَوْ بَرْدٍ لَا يَخَافُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ مَعَهُ مَحْذُورًا فِي الْعَاقِبَةِ اهـ.
وَالتَّأَلُّمُ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْشَأَ أَلَمٌ مِنْهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، بِخِلَافِ التَّأَلُّمِ النَّاشِئِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَتَدَبَّرْ، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: أَوْ زِيَادَةُ الْعِلَّةِ وَهِيَ إفْرَاطُ الْأَلَمِ (قَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ) أَيْ بِأَنْ انْتَشَرَ الْأَلَمُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَوْضِعٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَثُغْرَةٌ تَبْقَى وَلُحْمَةٌ تَزِيدُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ صِغَرَ كُلٌّ مِنْ اللُّحْمَةِ وَالثُّغْرَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِمَا فِي الْعُضْوِ يُورِثُ شَيْنًا، وَلَعَلَّ هَذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ بَيَانٌ لِلشَّيْنِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِهِ التَّيَمُّمُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْفَعَةِ عُضْوٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ الْخَوْفِ لَا مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعُضْوِ. (قَوْلُهُ: وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ) الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ