للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ فِي الْكُفْرِ فَكَمَا مَرَّ آنِفًا (أَوْ) انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ (قَبْلَهُ) أَيْ الدُّخُولِ (وَصُحِّحَ) النِّكَاحُ لِاسْتِيفَاءِ شَرَائِطِهِ، أَوْ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ (فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ مَعَ صِحَّتِهِ فَأَوْلَى مَعَ فَسَادِهِ.

إذْ الْفَرْضُ أَنْ لَا وَطْءَ، فَقَوْلُهُ وَصُحِّحَ غَيْرُ قَيْدٍ هُنَا بَلْ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ (أَوْ بِإِسْلَامِهِ) وَصُحِّحَ النِّكَاحُ (فَنِصْفُ مُسَمَّى إنْ كَانَ) الْمُسَمَّى (صَحِيحًا وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَصِحَّ كَخَمْرٍ (فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ) كَكُلِّ تَسْمِيَةٍ فَاسِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُسَمَّ شَيْءٌ فَمُتْعَةٌ.

أَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ فَلَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يُوجَدْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهَا، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِيمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَأُيِّدَ بِمَا قَالُوهُ فِي الْمَجُوسِيِّ إذَا مَاتَ وَتَحْتَهُ مَحْرَمٌ لَمْ نُوَرِّثْهَا: أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ.

قِيلَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ لَا مَهْرَ لَهُنَّ إذَا انْدَفَعَ نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ضَعِيفٌ، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ اسْتِحْقَاقُ مَنْ زَادَتْ عَلَى أَرْبَعٍ الْمَهْرَ.

(وَلَوْ) (تَرَافَعَ إلَيْنَا) فِي نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِهِ (ذِمِّيٌّ) ، أَوْ مُعَاهَدٌ (وَمُسْلِمٌ) (وَجَبَ) عَلَيْنَا (الْحُكْمُ) بَيْنَهُمَا جَزْمًا (أَوْ ذِمِّيَّانِ) كَيَهُودِيَّيْنِ، أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ ذِمِّيٌّ وَمُعَاهَدٌ (وَجَبَ) الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا (فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] وَهِيَ نَاسِخَةٌ كَمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِقَوْلِهِ {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] .

لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُ الظَّالِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ.

وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ لَا يَجِبُ بَلْ يَتَخَيَّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: ٤٢] وَرُدَّ بِمَا مَرَّ، أَوْ تُحْمَلُ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْمُعَاهَدَيْنِ، إذْ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا وَلَمْ نَلْتَزِمْ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ أَمَّا بَيْنَ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ فَيَجِبُ جَزْمًا، وَحَيْثُ وَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لَمْ يُشْتَرَطْ رِضَا الْخَصْمَيْنِ بَلْ رِضَا أَحَدِهِمَا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْإِعْدَاءُ، وَالْحُضُورُ وَطَلَبُهُ رِضًا، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْءٌ اسْتَوْفَيْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ، فَلَوْ أَقَرَّ ذِمِّيٌّ بِزِنًا أَوْ سَرِقَةِ مَالٍ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ حَدَدْنَاهُ.

نَعَمْ لَوْ تَرَافَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إلَيْنَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لَمْ يُحَدُّوا وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَلِأَنَّ الْخَمْرَ أَسْهَلُ لِأَنَّهَا أُحِلَّتْ وَإِنْ أَسْكَرَتْ فِي ابْتِدَاءِ مِلَّتِنَا، وَنَحْوُ الزِّنَا لَمْ يُحَلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ، فَمِنْ ثَمَّ اسْتَثْنَى الْخَمْرَ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَإِحْضَارُهُ التَّوْرَاةَ لِرَجْمٍ الزَّانِيَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِتَكْذِيبِ ابْنِ صُورِيَّا اللَّعِينِ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهَا رَجْمٌ لَا لِرِعَايَةِ اعْتِقَادِهِمْ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ حَدُّ الْحَنَفِيِّ بِشُرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ لِأَنَّ مِنْ عَقِيدَتِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْمُتَرَافَعِ إلَيْهِ مَعَ الْتِزَامِهِ لِقَوَاعِدِ الْأَدِلَّةِ الشَّاهِدَةِ بِضَعْفِ رَأْيِهِ فِيهِ وَلَا كَذَلِكَ هُمْ، وَفُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ لُزُومِ الْحُكْمِ لَنَا بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ، أَوْ حَرْبِيٍّ وَمُعَاهَدٍ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُسَمَّ شَيْءٌ فَمُتْعَةٌ) أَيْ وَنَكَحَهَا تَفْوِيضًا وَاعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ كَمَا سَبَقَ، وَإِلَّا وَجَبَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ قَبْلَ الْوَطْءِ وَإِلَّا فَكُلُّهُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: لَمْ نُوَرِّثْهَا) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْإِعْدَاءُ) أَيْ الطَّلَبُ (قَوْلُهُ وَطَلَبُهُ رِضًا) أَيْ بِالْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِذِمِّيٍّ حَدَّدْنَاهُ) أَيْ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ مِنْ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ، أَوْ الرَّجْمِ، أَوْ الْقَطْعِ وَغُرْمِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَإِحْضَارُهُ التَّوْرَاةَ) أَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ قَرِيبًا

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرَافُعُهُمْ مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>