وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ مَا دَامَ يَتَرَخَّصُ وَلَوْ فِي مُدَّةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ ثَمَّ، بَلْ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، إذْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ رُخَصِهِ فَفِي نَحْوِ سَفَرِ مَعْصِيَةٍ مَتَى سَافَرَ بِبَعْضِهِنَّ أَثِمَ مُطْلَقًا وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ، وَيَلْزَمُ مَنْ عَيَّنَتْهَا الْقُرْعَةُ لَهُ الْإِجَابَةُ وَلَوْ مَحْجُورَةً وَفِي بَحْرٍ غَلَبَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ فِي الْقَصِيرِ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى لِأَنَّهُ كَالْإِقَامَةِ
(وَلَا يَقْضِي) لِلزَّوْجَاتِ الْمُتَخَلِّفَاتِ (مُدَّةَ) ذَهَابِ (سَفَرِهِ) لِأَنَّ الْمُسَافِرَةَ قَدْ لَحِقَهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى تَرَفُّهِهَا بِصُحْبَتِهِ (فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَوْ غَيْرَهُ (وَصَارَ مُقِيمًا) بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ وُصُولِهِ (قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ) إنْ لَمْ يَعْتَزِلْهَا فِيهَا لِامْتِنَاعِ التَّرَخُّصِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ كَتَبَ لِلْبَاقِيَاتِ يَسْتَحْضِرُهُنَّ عِنْدَ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ قَضَى مِنْ حِينِ الْكِتَابَةِ كَمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَسَكَتَا عَنْ تَرْجِيحِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَوْ سَافَرَ بِهَا لِحَاجَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَوْ لَمْ يَبِتْ مَعَهَا مَا لَمْ يُخَلِّفْهَا فِي بَلَدٍ، فَإِنْ خَلَّفَهَا فِي بَلَدٍ لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ (لَا الرُّجُوعَ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ سَفَرِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلَا نَظَرَ لِتَخَلُّلِ إقَامَةٍ قَاطِعَةٍ وَلَا مُدَّةِ الذَّهَابِ أَيْضًا، لَكِنْ هَلْ يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ مِنْ الْمَحَلِّ الْآخَرِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا لَا، وَلَوْ أَقَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ ثُمَّ أَنْشَأَ سَفَرًا مِنْهُ أَمَامَهُ، فَإِنْ كَانَ نَوَى ذَلِكَ أَوَّلًا فَلَا قَضَاءَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ تَرَخُّصِهِ قَضَى وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّانِي يَقْضِي لِأَنَّهُ سَفَرٌ جَدِيدٌ بِلَا قُرْعَةٍ.
(وَمَنْ) (وَهَبَتْ حَقَّهَا) مِنْ الْقَسْمِ لِغَيْرِهَا (لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا) بِهَا لِأَنَّ اسْتِمْتَاعَ حَقِّهِ فَيَبِيتُ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا (فَإِنْ رَضِيَ) بِالْهِبَةِ (وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ) مِنْهُنَّ (بَاتَ عِنْدَهَا) وَإِنْ لَمْ تَرْضَ هِيَ بِذَلِكَ (لَيْلَتَيْهِمَا) لِلِاتِّبَاعِ لِمَا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اسْتِصْحَابِهَا فِيهِ بِالْقُرْعَةِ (قَوْلُهُ: وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهَا السَّفَرُ مَعَهُ إذَا خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ أَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً
(قَوْلُهُ مُدَّةَ ذَهَابِ سَفَرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: قَضَى مِنْ حِينِ الْكِتَابَةِ) يُتَأَمَّلُ هَذَا فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْ حِينِ الْإِقَامَةِ كَتَبَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ قَضَى مِنْ حِينِ الْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ) أَيْ مَا بَعْدَ التَّخَلُّفِ مَا لَمْ يَعُدْ مِنْ سَفَرِهِ وَيَسْتَصْحِبُهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَلَّفَهَا فِيهِ فَيَقْضِي مُدَّةَ اسْتِصْحَابِهَا (قَوْلُهُ: وَلَا مُدَّةَ الذَّهَابِ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ ذَهَابِ سَفَرِهِ، وَقَوْلُهُ الْآتِي وَلَوْ أَقَامَ بَعْدَ مُدَّةِ إلَخْ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا الذَّهَابَ هُوَ عَيْنُ السَّفَرِ الْآتِي بَعْدَ الْإِقَامَةِ، وَيُمْكِنُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ إقَامَةُ فَيُغَايِرُ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَحَلِّ الْآخَرِ) أَيْ الَّذِي أَقَامَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَامَ بَعْدَ مُدَّةٍ) أَيْ بَعْدَ وُصُولِهِ مَقْصِدَهُ (قَوْلُهُ قَضَى) أَيْ الزَّائِدَ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَصْحَبَ السَّفَرَ جَعَلَ كُلَّهُ مُقْتَضِي الْقُرْعَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ الْإِقَامَةُ الْقَاطِعَةُ لِلسَّفَرِ فَإِنَّ السَّفَرَ الثَّانِيَ جَدِيدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ فَجَرَى فِيهِ مَا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ فَيَبِيتُ عِنْدَهَا) أَيْ قَهْرًا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ «لِاتِّبَاعِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ إقَامَةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِ الْمَتْنِ قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ،؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ مُقِيمًا بِلَا نِيَّةٍ لَا يَقْضِي إلَّا مَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ التَّرَخُّصِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ الْإِقَامَةُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَتَبَ لِلْبَاقِيَاتِ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ سَافَرَ لِحَاجَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ سَافَرَ لِحَاجَةٍ وَأَقَامَ ثُمَّ كَتَبَ يَسْتَحْضِرُ الْبَاقِيَاتِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ أَوْ لَا يَقْضِي إلَّا مَا قَبْلَهَا إنْ كَانَ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ، أَيْ؛ لِأَنَّ إقْبَالَهُ عَلَى الْبَاقِيَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ رَافِعٌ لِلْإِقْبَالِ عَلَى مُسَاكَنَةِ الَّتِي مَعَهُ كَمَا وَجَّهَهُ بِهِ الْفَهَّامَةُ سم وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي سِيَاقِ الشَّارِحِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُوهِمَ لِمُغَايِرَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْأَصْلُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الرَّوْضِ نَقَلَهَا الشَّارِحُ بِرُمَّتِهَا وَذَاكَ مُرَادُهُ بِالْأَصْلِ الرَّوْضَةُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ هَلْ يَقْضِي إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَضِيَّتُهُ أَيْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَثْنَاءَ السَّفَرِ إقَامَةً طَوِيلَةً ثُمَّ سَافَرَ لِلْمَقْصِدِ لَمْ يَقْضِ مُدَّةَ السَّفَرِ بَعْدَ تِلْكَ الْإِقَامَةِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الرُّجُوعِ وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلشَّيْخَيْنِ لَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ مِنْهُمَا شَيْئًا (قَوْلُهُ: وَلَا مُدَّةَ الذَّهَابِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute