للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا يَجِبُ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا كَمَا «تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» ، كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ (عَزَّرَهُ) بِطَلَبِهَا بِمَا يَرَاهُ

(وَإِنْ) (قَالَ كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ) عَلَيْهِ (تَعَرَّفَ) وُجُوبًا فِيمَا يَظْهَرُ إنْ لَمْ يَظُنَّ فِرَاقَهُ لَهَا وَلَمْ يَنْدَفِعْ مَا ظَنَّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّرِّ إلَّا بِالتَّعَرُّفِ (الْقَاضِي الْحَالُّ) بَيْنَهُمَا (بِثِقَةٍ يَخْبُرُهُمَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ بِمُجَاوَرَتِهِ لَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا جَارٌ ثِقَةٌ أَسْكَنَهُمَا بِجَنْبِ ثِقَةٍ وَأَمَرَهُ بِتَعَرُّفِ حَالِهِمَا وَيُنْهَيَا إلَيْهِ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُهُ كَالرَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعَدَدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ لِخَبَرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ، وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُوا صِيغَةَ شَهَادَةٍ وَلَا نَحْوَ حُضُورِ خَصْمٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ (وَمَنَعَ الظَّالِمَ) مِنْ ظُلْمِهِ بِنَهْيِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِغَيْرِ تَعْزِيرٍ وَثَانِيًا بِتَعْزِيرٍ وَيُعَزِّرُهَا مُطْلَقًا، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ لَهُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا عَلَيْهَا فِي التَّأْدِيبِ فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِهَا (فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) أَيْ الْخِلَافُ (بَعَثَ الْقَاضِي) وُجُوبًا لِلْآيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الظِّلَامَاتِ، وَهُوَ مِنْ الْفُرُوضِ الْعَامَّةِ عَلَى الْقَاضِي (حَكَمًا) وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا) وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (مِنْ أَهْلِهَا) فَلَا يَكْفِي حُكْمُ وَاحِدٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ يَنْظُرَانِ فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِ كُلٍّ بِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُ (وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا) لِأَنَّهُمَا رَشِيدَانِ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا إذْ الْبُضْعُ حَقُّهُ وَالْمَالُ حَقُّهَا (وَفِي قَوْلٍ) حَاكِمَانِ (مُوَلَّيَانِ مِنْ) جِهَةِ (الْحَاكِمِ) لِتَسْمِيَتِهِمَا فِي الْآيَةِ حَكَمَيْنِ، وَقَدْ يُوَلِّي عَلَى الرَّشِيدِ كَالْمُفْلِسِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْمُفْلِسِ لَا لِذَاتِهِ وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ.

(فَعَلَى الْأَوْلَى يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ تَكْلِيفٌ وَإِسْلَامٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَاهْتِدَاءٌ لِلْمَقْصُودِ الْمَبْعُوثِ مِنْ أَجْلِهِ لَا الذُّكُورَةُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ (فَيُوَكِّلُ) الزَّوْجُ (حَكَمَهُ) إنْ شَاءَ (بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ وَتُوَكِّلُ) الزَّوْجَةُ إنْ شَاءَتْ (حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ) لِلْخُلْعِ (وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ) ثُمَّ يَفْعَلَانِ الْأَصْلَحَ مِنْ صُلْحٍ أَوْ تَفْرِيقٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي أَمِينَيْنِ غَيْرَهُمَا لِيَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَوَافُقِهِمَا أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ وَاسْتَوْفَى حَقَّ الْمَظْلُومِ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْبَعْثِ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ نَفَذَ أَمْرُهُمَا كَبَقِيَّةِ الْوُكَلَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلٍ فِي طَلَاقٍ أَنْ يُخَالِعَ لِأَنَّ تَوَكُّلَهُ وَإِنْ أَفَادَهُ مَالًا فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ، وَلَا لِوَكِيلٍ فِي خُلْعٍ أَنْ يُطَلِّقَ مَجَّانًا، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خُذْ مَالِي مِنْهَا ثُمَّ طَلِّقْهَا، أَوْ طَلِّقْهَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مَالِي مِنْهَا اشْتَرَطَ تَقَدُّمَ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مَالِي مِنْهَا وَطَلِّقْهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ، فَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا ثُمَّ خُذْ مَالِي مِنْهَا جَازَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَالتَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَأَنْ قَالَتْ خُذْ مَالِي مِنْهُ ثُمَّ اخْتَلِعْنِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقَهَا لِكِبَرِهَا

(قَوْلُهُ: أَسْكَنَهُمَا) أَيْ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةُ الْمُؤْنَةِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ السُّكْنَى تَعُودُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ أَيْ كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُعَزِّرُهَا مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: لَا الذُّكُورَةُ) أَيْ وَلَكِنْ تُسَنُّ اهـ مَنْهَجٌ (قَوْلُهُ: امْتَنَعَ) أَيْ الْبَعْثُ حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خُذْ مَالِي) أَيْ الَّذِي هُوَ تَحْتَ يَدِهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلِعْنِي)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَظُنَّ فِرَاقَهُ لَهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ أَنَّ مُرَادَهُ فِرَاقُهَا وَأَنَّ الْحَالَ لَا يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا يُسَمَّى فِي فِرَاقِهِمَا بِغَيْرِ تَعَرُّفٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ جُنَّ وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَاكِمِ رَأْيَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَى آخِرِ مَا فِي الشَّارِحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>