لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، أَمَّا تَرْجَمَةُ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ فَكِنَايَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ لِبُعْدِهِمَا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يُنَافِي تَأْثِيرُ الشُّهْرَةِ هُنَا عَدَمَهَا فِي نَحْوِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِأَنَّ مَا هُنَا مَوْضُوعٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ وَإِنْ اُشْتُهِرَ فِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا صَرْفُ هَذِهِ الصَّرَائِحِ عَنْ مَوْضُوعِهَا بِنِيَّتِهِ كَقَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَهَا مِنْ وِثَاقٍ أَوْ مُفَارَقَتَهَا لِلْمَنْزِلِ أَوْ بِالسَّرَاحِ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا أَوْ أَرَدْت غَيْرَهَا فَسَبَقَ لِسَانِي إلَيْهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ كَحَلِّهَا مِنْ وِثَاقٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ فَارَقْتُك الْآنَ فِي الثَّانِي وَقَدْ وَدَّعَهَا عِنْدَ سَفَرِهِ أَوْ اسْرَحِي عَقِبَ أَمْرِهَا بِالتَّبْكِيرِ لِمَحَلِّ الزِّرَاعَةِ فِي الثَّالِثِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ فَرَسِي أَوْ ذِرَاعِي أَوْ جَوْزَةِ حَلْقِي أَوْ قَوْسِي أَوْ نَخْوَةِ رَأْسِي فَكَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ إنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ اللَّفْظِ وَعَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوْزَتِي وَنَحْوِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَهِيَ صَرِيحَةٌ فَيَقَعُ عَلَيْهِ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِنَحْوِ مِنْ جَوْزَتِي وَالْعَامِّيُّ وَالْعَالِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
(وَأَطْلَقْتُك وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ) بِسُكُونِ الطَّاءِ (كِنَايَةٌ) لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الزَّوْجَةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ بَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ تَقَدُّمَ سُؤَالِهَا إلَخْ ظَاهِرٌ فِيهِ فَإِنَّ الصَّرْفَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُهُ نَظَرَ فِيهِ الْغَزِّيِّ إلَخْ مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ إنَّ نَفْيَهَا: أَيْ كَادَ،
(وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِمَّنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ) شَامِلٌ لِلْعَرَبِيِّ الَّذِي يُحْسِنُ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: عَنْ مَوْضُوعِهَا بِنِيَّتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ إلَخْ.
[فَرْعٌ]
لَوْ قَالَ أَنْتَ دَالِقٌ بِالدَّالِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي تَالِقٍ بِالتَّاءِ لِأَنَّ الدَّالَ وَالطَّاءَ أَيْضًا مُتَقَارِبَانِ فِي الْإِبْدَالِ، إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي الْأَلْسِنَةِ كَاشْتِهَارِ تَالِقٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مَعَ فَقْدِ النِّيَّةِ.
[فَرْعٌ] وَلَوْ قَالَ أَنْتَ طَالِقٌ بِالْقَافِ الْمَعْقُودَةِ قَرِيبَةٍ مِنْ الْكَافِ كَمَا يَلْفِظُ بِهَا الْعَرَبُ فَلَا شَكَّ فِي الْوُقُوعِ، فَلَوْ أَبْدَلَهَا كَافًا صَرِيحَةً فَقَالَ طَالِكٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ تَالِقٌ بِالتَّاءِ إلَّا أَنَّهُ يَنْحَطُّ عَنْهُ بِعَدَمِ الشُّهْرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَدَالِقٍ بِالدَّالِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَعْنَى يَحْتَمِلُهُ وَالتَّاءُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ: أَيْ إبْدَالُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَقُرِئَ {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [التكوير: ١١] وَقُشِطَتْ.
[فَرْعٌ]
أَبْدَلَ الْحَرْفَيْنِ فَقَالَ تَالِكٌ بِالتَّاءِ وَالْكَافِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ قَالَ دَالِكٌ بِالدَّالِ وَالْكَافِ فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ تَالِكٍ مَعَ أَنَّ لَهُ مَعَانِي مُحْتَمَلَةٌ مِنْهَا الْمُمَاطَلَةُ لِلْغَرِيمِ وَمِنْهَا الْمُسَاحَقَةُ، يُقَالُ تَدَالَكَتْ الْمَرْأَتَانِ: أَيْ تَسَاحَقَتَا فَيَكُونُ كِنَايَةَ قَذْفٍ بِالْمُسَاحَقَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَلْفَاظًا بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْوَاهَا تَالِقٌ ثُمَّ دَالِقٌ، وَفِي رُتْبَتِهَا طَالِكٌ ثُمَّ تَالِكٌ ثُمَّ دَالِكٌ وَهِيَ أَبْعَدُهَا، وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ كِنَايَةَ طَلَاقٍ أَصْلًا ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَرَاجِعْهُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فَهِيَ كِنَايَةٌ) بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَهِيَ كِنَايَةٌ اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكِنَايَةَ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ الطَّلَاقُ صَرِيحٌ وَلَكِنْ حَيْثُ نَوَى مَعَ الصِّيغَةِ أَنْ يَقُولَ مِنْ فَرَسِي أَوْ نَحْوِهَا انْصَرَفَ عَنْ إضَافَتِهِ لِلزَّوْجَةِ فَهُوَ صَرِيحٌ يَقْبَلُ الصَّرْفَ فَالْوُقُوعُ بِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ عَزَمَ) مُتَعَلِّقٌ بِكِنَايَةٍ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَكَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ كِنَايَةٌ إلَخْ) كَذَا فِي نُسَخٍ مِنْ الشَّارِحِ.
قَالَ الشِّهَابُ: وَحَاصِلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ قَصَدَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صِيغَةِ الطَّلَاقِ كَانَتْ صِيغَةُ الطَّلَاقِ كِنَايَةً إنْ نَوَى بِهَا طَلَاقَ