(وَلَوْ اشْتَهَرَ لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالِ) بِالضَّمِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الِاسْمَ الْمَحْكِيَّ فِي حَالَةِ الرَّفْعِ حَرَكَتُهُ حِكَايَةٌ لَا إعْرَابٌ فَيُقَدَّرُ الْإِعْرَابُ فِيهِ فِي الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ، فَمَنْ قَالَ هُنَا بِالرَّفْعِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ أَوْ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا كَقَوْلِهِ الْحَلَالُ إلَى آخِرِهِ، فَالْكَافُ دَاخِلَةٌ عَلَى قَوْلٍ مَحْذُوفٍ كَمَا هُوَ شَائِعٌ سَائِغٌ (أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ) أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي (صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحُصُولِ التَّفَاهُمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ فِي الْقُرْآنِ لِلطَّلَاقِ وَلَا عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ وَأَنْتِ حَرَامٌ كِنَايَةٌ اتِّفَاقًا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَهُمْ، وَالْأَوْجَهُ مُعَامَلَةُ الْحَالِفِ بِعُرْفِ بَلَدِهِ مَا لَمْ يَطُلْ مُقَامُهُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَيَأْلَفْ عَادَتَهُمْ، وَالتَّلَاقُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كِنَايَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاشْتِهَارَ لَا يُلْحَقُ غَيْرُ الصَّرِيحِ بِهِ بَلْ كَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ الْوُقُوعِ وَلَوْ نَوَى لِاخْتِلَافِ مَادَّتِهِمَا، إذْ التَّلَاقُ مِنْ التَّلَاقِي وَالطَّلَاقُ الِافْتِرَاقُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ حَرْفُ التَّاءِ قَرِيبًا مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ وَيُبْدَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ اقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
(وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الطَّلَاقُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ بَلْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ صِيغَةِ الطَّلَاقِ كَانَ كِنَايَةً إنْ نَوَى بِهَا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ قَصْدَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهَا عَنْ الصَّرَاحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَذَلِكَ فَالصِّيغَةُ عَلَى صَرَاحَتِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: قُلْت الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) وَمِنْ الْكِنَايَةِ أَيْضًا مَا لَوْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ أَلْفَاظًا تُؤَكِّدُ بُعْدَهُ عَنْهَا كَأَنْتِ حَرَامٌ كَالْخِنْزِيرِ أَوْ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنْتِ حَرَامٌ كَمَا حُرِّمَ عَلَيَّ لَبَنُ أُمِّي أَوْ إنْ أَتَيْتُك أَتَيْتُك مِثْلَ أُمِّي وَأُخْتِي أَوْ مِثْلَ الزَّانِي فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً، وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مِنْ الْكِنَايَةِ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنَا ذَاهِبَةٌ إلَى بَيْتِ أَبِي مَثَلًا فَقَالَ لَهَا الْبَابُ مَفْتُوحٌ فَهُوَ لَغْوٌ (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى لِسَانِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الْعَدَمِ مَلْحُوظًا فِيهِ جَانِبُ الْمَعْنَى، وَكَأَنَّهُ قَالَ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ وَيَأْلَفُ عَادَتَهُمْ) أَيْ فَيَعْتَبِرُ حَالَهُمْ فِيهِ (قَوْلُهُ: اقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا
[حاشية الرشيدي]
زَوْجَتِهِ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهَا عَنْ الصَّرَاحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَذَلِكَ فَالصِّيغَةُ عَلَى صَرَاحَتِهَا، لَكِنْ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مَا نَصُّهُ: فَكَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ إنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ اللَّفْظِ وَعَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ مِنْ جَوْزَتِي وَنَحْوِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِنَحْوِ جَوْزَتِي وَالْعَامِّيُّ وَالْعَالِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ.
وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الَّتِي تُنَاسِبُ الْقِيَاسَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى الَّتِي تُوَافِقُ مَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ الَّتِي نُسِبَ إلَيْهَا
(قَوْلُهُ: أَنَّ الِاسْمَ الْمَحْكِيَّ إلَخْ) نَازَعَ فِي هَذَا الشِّهَابُ سم بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إنْ كَانَ الْمَحْكِيُّ لَفْظَ الْحَلَالِ وَحْدَهُ، وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا الْمَحْكِيُّ جُمْلَةُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامُ، وَحِينَئِذٍ فَحَرَكَةُ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بَاقِيَةٌ عَلَى إعْرَابِهَا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ لُغَتَهُ أَنَّهُ مِنْ بَلَدٍ مَثَلًا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ الْآتِي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ فِي لِسَانِهِ عَجْزًا خِلْقِيًّا عَنْ النُّطْقِ بِالطَّاءِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي حَقِّهِ قَطْعًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: إذْ التَّلَاقُ مِنْ التَّلَاقِي) رَدَّ هَذَا السُّيُوطِيّ فِي فَتَاوِيهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشِّهَابِ سم حَيْثُ قَالَ: أَعْنِي السُّيُوطِيّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ تَالِقٌ مِنْ التَّلَاقِي وَهُوَ مَعْنًى غَيْرُ الطَّلَاقِ فَكَلَامُهُ أَشَدُّ سُقُوطًا مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِرَدِّهِ، فَإِنَّ التَّلَاقِي لَا يُبْنَى مِنْهُ وَصْفٌ عَلَى فَاعِلٍ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مِنْهُ مُتَلَاقٍ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ تَالِقٌ.
أَمَّا إذَا قَالَ عَلَيَّ التَّلَاقُ مَثَلًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنَى التَّلَاقِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute