وَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا صَوَّبَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَوَافَقَهُ الْبَاجِيَّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالشَّيْخُ أَيْضًا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْخُلْعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامِ غَدًا فَتَلِفَ فِي الْغَدِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهَا تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْدَ تَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ تُصَلِّ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَانْصَبَّ بَعْدَ إمْكَانِ شُرْبِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ تَخْرُجِي اللَّيْلَةَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَالَ لِأَمَتِهِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي التُّفَّاحَةَ الْأُخْرَى فَأَنْت حُرَّةٌ فَالْتَبَسَتَا فَخَالَعَ وَبَاعَ فِي الْيَوْمِ ثُمَّ جَدَّدَ وَاشْتَرَى حَيْثُ يَتَخَلَّصُ وَنَحْوُهُمَا وَاضِحٌ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمَسَائِلِ الْأُوَلِ الْفِعْلُ وَهُوَ إثْبَاتٌ جُزْئِيٌّ وَلَهُ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ فِعْلُهُ وَجِهَةُ حِنْثٍ بِالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ، وَالْحِنْثُ يَتَحَقَّقُ بِمُنَاقَضَةِ الْيَمِينِ وَتَفْوِيتِ الْبِرِّ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْأُخَرُ فَالْمَقْصُودُ فِيهَا التَّعْلِيقُ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْآخِرِ، فَإِذَا صَادَفَهَا الْآخِرُ بَائِنًا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَيْسَ هُنَا إلَّا جِهَةُ حِنْثٍ فَقَطْ، فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ لَا نَقُولُ بَرَّ بَلْ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَتَعْلِيلُ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ عَدَمَ الْحِنْثِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إلَى آخِرِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلِ غَيْرِ التَّطْلِيقِ كَالضَّرْبِ فَضَرَبَهَا وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ طَلَاقًا وَلَوْ بَائِنًا أَنَّهُ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ) أَيْ وَهِيَ الدُّخُولُ أَوْ الْإِعْطَاءُ، وَخَرَجَ مَا إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الشَّهْرِ فَلَا حِنْثَ وَالْخُلْعُ نَافِذٌ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَيْ حَجّ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْخُلْعِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ (قَوْلُهُ وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْخُلْعِ) أَيْ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ وُقُوعِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَيَتَّجِهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ، إذْ لَا جَائِزَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْخُلْعِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِهِ الْمُنَافِيَةِ لِلْوُقُوعِ، وَلَا أَنْ يَقَعَ قَبْلَهُ لِلُزُومِ الْوُقُوعِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مَعَ أَنَّهُ لَا وُقُوعَ قَبْلَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسَائِلِ الرَّغِيفِ وَغَيْرِهِ وَمِمَّا نَظَرَ بِهِ الْوُقُوعُ.
فَإِنْ قُلْت: قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ إذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْغَدِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِالْخُلْعِ.
قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ الْوُقُوعُ لِوُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْإِمْكَانِ مِنْ الْغَدِ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا لِانْتِقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَقْتَ التَّمَكُّنِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ قَيَّدَ بِالتَّمَكُّنِ فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ: كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُسَافِرَن فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ قَبْلَ الْخُلْعِ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ اهـ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي الشَّهْرِ الْآتِي فَخَالَعَ قَبْلَهُ فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا وَيَتَعَيَّنُ امْتِنَاعُ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا بِمُجَرَّدِ الْخُلْعِ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَا يَدْفَعُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَدْفَعُهُ، وَلِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ الْفِعْلُ بَعْدَ الْخُلْعِ قَبْلَ فَرَاغِ الشَّهْرِ بَرَّ بِهِ وَاسْتَمَرَّ الْخُلْعُ وَالْإِبَانَةُ قَبْلَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
ثُمَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ حَجّ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ التَّمَكُّنِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا وَبَعْدَ تَمَكُّنِهَا مِنْ الدُّخُولِ أَوْ تُمَكِّنْهُ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي حَجّ فَلَعَلَّ هَذَا الْقَيْدَ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ سم حَتَّى احْتَاجَ لِنَقْلِهِ عَمَّا فِي الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْنَثُ) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ وَنَحْوَهُمَا) أَيْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ إنْ لَمْ تَخْرُجِي إلَخْ وَقَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ نَقِيضُهُ) وَهُوَ عَدَمُ أَكْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْحِنْثُ يَتَحَقَّقُ بِمُنَاقَضَةِ الْيَمِينِ) أَيْ يَحْصُلُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْأُخَرُ) هِيَ قَوْلُهُ وَمَسْأَلَةُ إنْ لَمْ تَخْرُجِي إلَخْ، وَالْمَسَائِلُ الْأُوَلُ هِيَ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِذَا صَادَفَهَا الْآخِرُ) أَيْ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا فِي التَّعْلِيقِ وَقَوْلُهُ بَائِنًا: أَيْ مِنْ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا قَبْلَ فَرَاغِ الشَّهْرِ مَثَلًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ تُوجَدْ) قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ خَرَجَ مَا إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الشَّهْرِ فَلَا حِنْثَ وَالْخُلْعُ نَافِذٌ مَرَّ