الْبُلْقِينِيُّ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِنَقْضِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ مُقَلِّدٌ لِلشَّافِعِيِّ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ فَحُكْمُهُ كَالْعَدَمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ: الْحُكْمُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ مُنْدَرِجٌ فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَمَعَ اخْتِيَارِنَا لَهُ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِهِ لِلْعَوَامِّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَجْهُ تَعْلِيمُهُ لَهُمْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَارَ فِي أَلْسِنَتِهِمْ كَالطَّبْعِ لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ، فَكَوْنُهُمْ عَلَى قَوْلِ عَالِمٍ أَوْلَى مِنْ الْحَرَامِ الصِّرْفِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التَّقْلِيدُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فُسُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً فَاحِشًا وَابْنُ الصَّلَاحِ وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْمُطَّلِعِينَ: لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ فِي صِحَّةِ الدَّوْرِ بَعْدَ السِّتِّمِائَةِ إلَّا السُّبْكِيُّ ثُمَّ رَجَعَ وَالْإِسْنَوِيُّ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَنْقُوضٌ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ خَرَقَ الْقَائِلُ بِهِ الْإِجْمَاعَ.
(وَلَوْ) (قَالَ إنْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ أَوْ آلَيْتُ أَوْ لَاعَنْتُ أَوْ فَسَخْتُ) النِّكَاحَ (بِعَيْبِك) مَثَلًا (فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ) مِنْ الظِّهَارِ وَمَا بَعْدَهُ (فَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِهِ مِنْ الظِّهَارِ وَمَا بَعْدَهُ (الْخِلَافُ) السَّابِقُ، فَإِنْ الْغَيْنَا الدَّوْرَ صَحَّ جَمِيعُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى الثَّالِثِ يَلْغُوَانِ جَمِيعًا وَلَا يَأْتِي الثَّانِي هُنَا.
(وَلَوْ) (قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ) وَطْئًا (مُبَاحًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا (ثُمَّ وَطِئَ) وَلَوْ فِي نَحْوِ حَيْضٍ، إذْ الْمُرَادُ الْمُبَاحُ لِذَاتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ فَخَرَجَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْوَطْءُ الْمُبَاحُ لِذَاتِهِ، وَفَارَقَ مَا يَأْتِي بِأَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ هُنَا لِعَدَمِ الصِّفَةِ وَفِيمَا يَأْتِي لِلدَّوْرِ (لَمْ يَقَعْ قَطْعًا) لِلدَّوْرِ إذْ لَوْ وَقَعَ لَخَرَجَ الْوَطْءُ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا وَلَمْ يَقَعْ وَلَمْ يَأْتِ هُنَا ذَلِكَ الْخِلَافُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا انْسَدَّ بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ بَابُ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا. وَلَوْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهَا طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً فَدَوْرٌ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ، فَإِنْ اخْتَلَعَهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَلَا دَوْرَ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ. وَإِنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك رَجْعِيًّا فَأَنْت طَالِقٌ مَعَهُ ثَلَاثًا فَدَوْرٌ وَيَقَعُ مَا نَجَّزَ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْت زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا فَدَوْرٌ، وَلَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ دُخُولًا وَقَعَ عَلَى الْمَسْبُوقِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ قَبْلَهُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلُقَتْ، وَإِنْ تَرَتَّبَا فَكَمَا سَبَقَ آنِفًا فِي نَظِيرَتِهَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ مَتَى أَعْتَقْتِ أَنْتِ أَمَتِي وَأَنْت زَوْجَتِي فَهِيَ حُرَّةٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا مَتَى أَعْتَقْتِهَا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَ إعْتَاقِك إيَّاهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ قَبْلَ ثَلَاثٍ عَتَقَتْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَخْ) هَلْ مِنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ حَجّ وَالشَّارِحِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَمَا الْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّا نَرَى النَّوَوِيَّ مَثَلًا اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فَجَرَى فِي الرَّوْضَةِ عَلَى شَيْءٍ وَجَرَى فِي الْمِنْهَاجِ عَلَى شَيْءٍ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ جَرَى عَلَى تَرْجِيحِ مَا فِي الْمِنْهَاجِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَى عَلَى تَرْجِيحِ مَا فِي الرَّوْضَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِهِ لِلْعَوَامِّ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي نَحْوِ حَيْضٍ) وَبَقِيَ مَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُحَرَّمًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ مَا يَأْتِي) الْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ لَا تَطْلُقُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ لِذَاتِهِ، وَإِنْ وَطِئَ فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ لَكِنْ لِلدَّوْرِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ مُطْلَقًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ عَدَمِ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: فَدَخَلَا) أَيْ مَعًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ تَرَتَّبَا (قَوْلُهُ: فَدَوْرٌ) أَيْ فَلَا وُقُوعَ وَلَا عِتْقَ (قَوْلُهُ: وَقَعَ عَلَى الْمَسْبُوقِ) أَيْ أَمْرُ التَّعْلِيقِ وَهُوَ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ (قَوْلُهُ فَكَمَا سَبَقَ آنِفًا فِي نَظِيرَتِهَا) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ ثَلَاثٍ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّهَا، وَقَوْلُهُ عَتَقَتْ: أَيْ وَلَا طَلَاقَ.
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ) أَيْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَتِنَا الَّتِي انْتَفَى الْوُقُوعُ فِيهَا لِلدَّوْرِ وَإِنْ وَافَقَهَا فِي الْحُكْمِ لَكِنْ فِي هَذَا السِّيَاقِ صُعُوبَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ قَبْلَ ثَلَاثٍ) أَيْ بِأَنْ وَكَّلَهَا، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ هَذَا التَّعْلِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute