السَّمَاءَ وَحُكْمُهُ الْحِنْثُ حَالًا، وَنَظِيرُهُ هُنَا الْحِنْثُ بِالْيَأْسِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ يُمْكِنُهَا فِيهِ وَلَمْ تُعْطِهِ، أَمَّا الْبِشَارَةُ فَمُخْتَصَّةٌ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ الصِّدْقِ السَّارِّ قَبْلَ الشُّعُورِ فَإِذَا قَالَ لِنِسَائِهِ مَنْ بَشَّرَتْنِي مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتْهُ وَاحِدَةٌ بِذَلِكَ ثَانِيًا بَعْدَ إخْبَارِ غَيْرِهَا أَوْ كَانَ غَيْرَ سَارٍّ بِأَنْ كَانَ بِسُوءٍ أَوْ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَمْ تُطْلَقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ. نَعَمْ مَحَلُّ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَارًّا إذَا أَطْلَقَ كَقَوْلِهِ مَنْ بَشَّرَتْنِي بِخَبَرٍ أَوْ أَمْرٍ عَنْ زَيْدٍ، فَإِنْ قَيَّدَ كَقَوْلِهِ مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ اكْتَفَى بِصِدْقِ الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَعُدِّي جَوْزَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ وَجَبَ أَنْ تَبْدَأَ مِنْ الْوَاحِدِ وَتَزِيدَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَبْدَأْ بِالْوَاحِدِ لَمْ تَعُدَّ جَوْزَهَا، وَقِيلَ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِنْثِ بِأَنْ تَفْعَلَ مَا ذَكَرَ آنِفًا أَوْ سَقَطَ حَجَرٌ مِنْ عُلُوٍّ فَقَالَ إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِمَنْ رَمَاهُ حَالًا فَأَنْت طَالِقٌ وَلَمْ يُرِدْ تَعْيِينًا فَقَالَتْ مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِالْإِخْبَارِ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُهُمَا لِوُجُودِ سَبَبِ الْحِنْثِ وَشَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ، وَشُبِّهَ بِمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ تَعْرِفْ مَشِيئَتَهُ، أَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَقُلْ كَمَا تَقُولِينَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ أَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ وَثَاقٍ أَوْ أَنْتِ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا أَوْ هِيَ فِي مَاءٍ جَارٍ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَبِاللَّبْثِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت مِنْهُ فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ شِئْت فِيهِ فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ خَرَجَتْ أَوْ لَبِثَتْ لِأَنَّهُ بِجَرَيَانِهِ يُفَارِقُهَا.
فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ فَوْرًا أَوْ إنْ أَرَقْتِ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَأَنْت طَالِقٌ وَإِنْ شَرِبْتِهِ أَوْ غَيْرُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ إنْ تَرَكْته فَأَنْت طَالِقٌ، قَبِلَتْ بِهِ خِرْقَةً وَضَعَتْهَا فِيهِ أَوْ بَلَّتْهَا بِبَعْضِهِ أَوْ شَرِبَتْ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا بَعْضَهُ لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْت طَالِقٌ فَخَالَفَتْ نَهْيَهُ كَلَا تَقُومِي فَقَامَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ دُونَ أَمْرِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْعُرْفِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْ إعْطَائِهِ بِالْمَوْتِ مَعَ قَوْلِهِ وَقَدْ أَنْفَقَتْهُ فَإِنَّ الْيَأْسَ مِنْ رَدِّهِ حَاصِلٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ إنْفَاقِهِ لَا يُمْكِنُ إعْطَاؤُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْفَاقُهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصَرُّفِ بِشِرَائِهَا بِهِ شَيْئًا وَبَعْدَ الشِّرَاءِ يُمْكِنُ عَوْدُهُ لَهَا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا بِهِ مِمَّنْ أَخَذَهُ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ هُنَا الْحِنْثُ بِالْيَأْسِ) هُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُحَاوَرَةٌ وَحَلَفَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إذَا لَمْ إلَخْ إنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْإِعْطَاءُ وَلَمْ تُعْطِ، وَبِفَوَاتِ اللَّحْظَةِ أَيِسَتْ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ شَيْئًا وَضَاعَ مِنْهَا أَوْ سَهَتْ عَنْ مَحَلِّهِ ثُمَّ طَلَبَهُ مِنْهَا فَلَمْ تُعْطِهِ فَقَالَ إذَا لَمْ تَأْتِينِي بِهِ فَأَنْت طَالِقٌ وَهُوَ الْحِنْثُ بَعْدَ مُضِيِّ لَحْظَةٍ حَيْثُ كَانَ التَّعْلِيقُ بِإِذَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِنْ فَبِالْيَأْسِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْبِشَارَةُ) مُحْتَرَزُ الْإِخْبَارِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ آنِفًا) أَيْ فِي الرُّمَّانَةِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ سَبَبِ الْحِنْثِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ مِنْ جِدَارٍ اُحْتُمِلَ سُقُوطُهُ مِنْهُ لِتَهَدُّمِهِ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَ سُقُوطِهِ وَطَرِيقُهَا أَنْ يَقُولَ رَمَاهُ مَخْلُوقٌ أَوْ تَهَدَّمَ الْجِدَارُ (قَوْلُهُ: وَشُبِّهَ) أَيْ فِي الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ) لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشِيئَةِ فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَوْلِهَا (قَوْلُهُ أَوْ إنْ أَرَقْت) أَيْ صَبَبْته (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَّتْهَا بِبَعْضِهِ) أَيْ أَوْ صَبَّتْ بَعْضَهُ (قَوْلُهُ: فَقَامَتْ لَمْ تَطْلُقْ) مُعْتَمَدٌ
[حاشية الرشيدي]
وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ. مَعْنًى (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ الْحِنْثُ حَالًا) أَيْ وَإِنْ عُلِّقَ بِإِنْ كَمَا عُلِّقَ بِإِنْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِنَّ) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا عَلِمَ بِرُؤْيَتِهِ لَهُ مَثَلًا، وَلِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذِكْرِهِ مِنْ التَّكْرَارِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُحْتَرَزَ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ أَنْ تَبْدَأَ مِنْ الْوَاحِدِ) قَالَ الْإِمَامُ: وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِ اللِّسَانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا لِلْعَدِّ الْفِعْلَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute