تَجْتَمِعْ بِهِ ثُمَّ مَالَ إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِئْ بِالْفِعْلِ إلَّا لِبَابِهِ وَمَجِيئُهَا إلَيْهِ بِالْقَصْدِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ قَالَ: وَالْوَرَعُ الْحِنْثُ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ جَاءَتْ وَلَمْ تَجْتَمِعْ بِهِ.
قَالَ: وَمَدْلُولُ لَا يَعْمَلُ عِنْدَهُ لُغَةً: عَمِلَهُ بِحُضُورِهِ، وَعُرْفًا: أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فَذَاكَ، وَإِلَّا بَنَى عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُغَلَّبَ اللُّغَةُ أَوْ الْعُرْفُ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَيَتَّجِهُ مِنْ تَغْلِيبِ الْعُرْفِ إذَا قَوِيَ وَاطَّرَدَ تَغْلِيبُهُ هُنَا لِاطِّرَادِهِ، قَالُوا وَالْخِيَاطَةُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ غَرْزِ الْإِبْرَةِ وَجَذْبِهَا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَلَوْ جَذَبَهَا ثُمَّ غَرَزَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَمْ تَكُنْ خِيَاطَةً، وَلَوْ عَلَّقَ بِنُزُولِهَا عَنْ حَضَانَةِ وَلَدِهَا نُزُولًا شَرْعِيًّا لَمْ يَحْنَثْ بِنُزُولِهَا لِأَنَّهُ بِإِعْرَاضِهَا وَإِسْقَاطِهَا يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا لَا بِنُزُولِهَا مَعَ أَنَّ حَقَّهَا لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ إذْ لَهَا الْعَوْدُ لِأَخْذِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ (وَالسَّفَهُ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (مُنَافِي إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْحَجْرَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَنَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْعُرْفَ عَمّ بِأَنَّهُ بَذَاءَةُ اللِّسَانِ وَنُطْقُهُ بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ سِيَّمَا إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِبَذَاءَةٍ فَقَالَتْ يَا سَفِيهُ مُشِيرَةً لِمَا صَدَرَ مِنْهُ، وَالْأَوْجَهُ الرُّجُوعُ إلَى ذَلِكَ إنْ ادَّعَى إرَادَتَهُ وَكَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ، فَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا عُمِلَ بِدَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةً (وَالْخَسِيسُ قِيلَ) أَيْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: هُوَ (مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ) بِأَنْ تَرَكَهُ بِاشْتِغَالِهِ بِهَا قَالَ وَأَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا مِنْ نَفْسِهِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ.
(وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ) فِي مَعْنَاهُ (هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا) بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ يَتَعَاطَاهُ تَوَاضُعًا أَوْ زُهْدًا أَوْ طَرْحًا لِلتَّكْلِيفِ وَالْحُقْرَةُ عُرْفًا ذَاتًا ضَئِيلُ الشَّكْلِ فَاحِشُ الْقِصَرِ وَوَضْعًا الْفَقِيرُ الْفَاسِقُ قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ النِّسَاءَ لَا يُرِدْنَ بِهِ إلَّا قَلِيلَ النَّفَقَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فِي عُرْفِ الْحَالِفِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَالَ إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ شَخْصًا تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَحَلَفَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا لَا تَذْهَبُ إلَى أَهْلِهَا إلَّا إنْ جَاءَهَا بِأَحَدِهِمْ، فَتَوَجَّهَ إلَى أَهْلِهَا وَأَتَى بِوَالِدَتِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قَاعِدَةٌ فِي مَنْزِلِهِ فَرَآهَا فِي الطَّرِيقِ وَرَدَّهَا إلَى مَنْزِلِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْحِنْثِ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَى أَهْلِهَا، وَمِثْلُ رَدِّهَا إلَى مَنْزِلِهِ مَا لَوْ أَمَرَ وَالِدَتَهَا أَنْ تَذْهَبَ إلَى أَهْلِهَا وَذَهَبَتْ بِهَا أَوْ لَمْ يَأْمُرْهَا (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لَهُ) وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ مُجَرَّدِ التَّوَافُقِ عَلَى كَوْنِهِ يَحْرُثُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَجِيرًا لَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الْعَامُّ الْمُطَّرِدُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا لَوْ قَالَ لَا أُؤَجِّرُ أَوْ لَا أَبِيعُ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ ثَمَّ الْعَقْدُ الصَّحِيحِ شَرْعًا وَمَا هُنَا لَيْسَ لَهُ مَدْلُولٌ شَرْعِيٌّ فَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ (قَوْلُهُ: وَاطَّرَدَ تَغْلِيبُهُ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا عَمِلَ أَجِيرًا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ) مَقُولُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِهِ إنَّهُ مِنْ إلَخْ فَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى فِعْلِ حَرَامٍ وَلَا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ (قَوْلُهُ: فَاحِشُ الْقِصَرِ) أَيْ فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا فِي يَمِينِهِ كَأَنْ قَالَ فُلَانٌ حُقْرَةٌ ذَاتًا
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا بِنُزُولِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِإِعْرَاضِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّزُولَ الشَّرْعِيَّ لَا يُتَصَوَّرُ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ بِإِعْرَاضِهَا يَسْتَحِقُّهَا هُوَ شَرْعًا لِئَلَّا يَضِيعَ الطِّفْلُ مَعَ عَدَمِ سُقُوطِ حَقِّهَا حَتَّى لَوْ عَادَتْ أَخَذَتْهُ قَهْرًا قَالَ الشِّهَابُ حَجّ عَقِبَ هَذَا مَا نَصُّهُ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ نُزُولًا شَرْعِيًّا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ نَظَرًا لِلْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوْ يَنْظُرُ إلَى اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ الْمُقْتَضِيَيْنِ لِتَسْمِيَةِ قَوْلِهَا نَزَلَتْ نُزُولًا لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ، وَكَذَا حَيْثُ تَنَافَى الْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِفَاسِدٍ نَحْوِ صَلَاةِ تَقْدِيمِ الشَّرْعِيِّ مُطْلَقًا، فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِ اللُّغَوِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَيْسَ لِلشَّارِعِ فِيهِ عُرْفٌ. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَقِبَهُ مِنْ أَنَّ السَّفَهَ عَدَمُ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ فِي الْأَيْمَانِ التَّصْرِيحُ بِتَقْدِيمِ عُرْفِ الشَّرْعِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ الْمَتْنِ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَهُوَ إذْ الَّذِي بَعْدَ هُوَ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَنَصُّهَا: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ السَّفَهُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْحَجْرَ (قَوْلُهُ: عُمِلَ بِدَعْوَاهُ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute