للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَيْثُ لَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ زِنَاهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ مِنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ (أَوْ ارْتَدَّ فَلَا) يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُشْعِرُ بِسَبْقِ مِثْلِهَا وَلِأَنَّهَا عَقِيدَةٌ وَهِيَ تَظْهَرُ غَالِبًا.

(وَمَنْ زَنَى) أَوْ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ عِفَّتَهُ كَوَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا (مَرَّةً) وَهُوَ مُكَلَّفٌ (ثُمَّ) تَابَ وَ (صَلُحَ) حَالُهُ حَتَّى صَارَ أَتْقَى النَّاسِ (لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا) أَبَدًا لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْثَلَمَ لَا تَنْسَدُّ ثُلْمَتُهُ فَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَلَوْ قَذَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَزِمَهُ إعْلَامُ الْمَقْذُوفِ لِيَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ وَفَارَقَ إقْرَارَهُ عِنْدَهُ بِمَالٍ لِلْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ، وَمَحَلُّ لُزُومِ الْإِعْلَامِ لِلْقَاضِي: أَيْ عَيْنًا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يَقْبَلُ إخْبَارَهُ بِهِ وَإِلَّا كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(وَحَدُّ الْقَذْفِ) وَتَعْزِيرُهُ إذَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ الْمُوَرِّثُ (يُورَثُ) وَلَوْ لِلْإِمَامِ عَمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

(وَيَسْقُطُ) حَدُّهُ وَتَعْزِيرُهُ (بِعَفْوٍ) عَنْ كُلِّهِ، فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ الْحَدِّ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَا يُخَالِفُ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ بِالْعَفْوِ مَا فِي بَابِهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَاَلَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ حَقُّهُ تَعَالَى لِلْمَصْلَحَةِ وَيَسْتَوْفِي سَيِّدُ مَقْذُوفٍ مَاتَ تَعْزِيرَهُ وَإِنْ لَمْ يَرِثْهُ، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ، وَفِيهَا لَوْ اغْتَابَ شَخْصًا لَمْ يُؤَثِّرْ تَحْلِيلُ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَذَفَ شَخْصًا بِزِنًا يَعْلَمُهُ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ، أَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ.

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ الْحُرُّ (يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ) حَتَّى الزَّوْجَيْنِ كَالْقِصَاصِ، نَعَمْ قَذْفُ الْمَيِّتِ لَا يَرِثُهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ عَلَى أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ بِبَقَاءِ آثَارِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْمَيِّتِ لِضَعْفِهَا عَنْ شُمُولِ سَرَائِرِ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَمِثْلُ الْحَدِّ فِيمَا تَقَرَّرَ التَّعْزِيرُ. وَالثَّانِي يَرِثُهُ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ. وَالثَّالِثُ رِجَالُ الْعَصَبَةِ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ رِجَالُ الْعَصَبَةِ غَيْرُ الْبَنِينَ كَالتَّزْوِيجِ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَوْ قَذَفَ مُوَرِّثَهُ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فِي الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ زِنَا مُوَرِّثِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيُضَمُّ إلَيْهَا ثَانِيَةً وَهِيَ مَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ مَثَلًا عَلَى وَلَدَيْهِ، عَلَى أَنَّ مَنْ زَنَى مِنْهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَعَادَ نَصِيبُهُ إلَى أَخِيهِ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ زَنَى لِيَعُودَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ سُمِعَتْ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَنَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْعَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ.

(قَوْلُهُ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا) أَيْ فَيُعَزَّرُ قَاذِفُهُ فَقَطْ لِلْإِيذَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ) أَيْ الْمَقْذُوفُ (قَوْلُهُ: بِمَالٍ لِلْغَيْرِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يَتَوَقَّفُ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاضِي.

(قَوْلُهُ لَمْ يَسْقُطْ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَيْهِ بَعْدَ عَفْوِهِ مُكِّنَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ) أَيْ أَوْ الْمَقْذُوفُ نَفْسُهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ) أَيْ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اسْتِيفَاؤُهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ عَفْوَهُ عَنْهُ أَوَّلًا رِضًا مِنْهُ بِاعْتِرَافِهِ بِنِسْبَتِهِ لِلزِّنَا فَنَزَلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْفُوِّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فِي حَقِّهِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِسُقُوطِ الْحَصَانَةِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَصَرَّ صَادَفَ بَيْنُونَةً مِنْ التَّوْجِيهِ بِأَنَّ الْعَفْوَ بِمَثَابَةِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ: أَيْ وَهُوَ لَوْ اسْتَوْفَى الْحَدَّ مِنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ عُزِّرَ.

(قَوْلُهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ) أَيْ فَلَوْ حُدَّ لِطَلَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدَّ الْكَامِلَ سَقَطَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ طَلَبُهُ (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي إرْثِهِ بَيْنَ كَوْنِ الْقَذْفِ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِبَقَاءِ سَبَبِ الْإِرْثِ فِي حَقِّهِ مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ) خِلَافًا لِمَا نَظَرَ بِهِ حَجّ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ قَذَفَ شَخْصًا بِزِنًا يَعْلَمُهُ الْمَقْذُوفُ إلَخْ.) لَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُرَادُ مِنْ هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفِ) فِي الْعِبَارَةِ تَسَمُّحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَلَا يُسَوَّغُ التَّحْلِيفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>