وَمَحَلُّ التَّغْلِيظِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ بِهَا، أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَيْهَا: أَيْ قَهْرًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَ) فِي (غَيْرِهَا) أَيْ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ (عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ) أَيْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُهُ: أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَحَلَّهُ الْوَعْظُ وَالِانْزِجَارُ وَرُبَّمَا أَدَّى صُعُودُهُ إلَى تَذَكُّرِهِ وَإِعْرَاضِهِ، وَزَعْمُ أَنَّ صُعُودَهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِهَا مَمْنُوعٌ لَا سِيَّمَا مَعَ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَإِنْ ضَعَّفَهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ» (وَ) تُلَاعِنُ (حَائِضٌ) وَنُفَسَاءُ مُسْلِمَةٌ وَمُسْلِمٌ بِهِ جَنَابَةٌ وَلَمْ يُمْهَلْ لِلْغُسْلِ أَوْ نَجِسٌ يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ (بِبَابِ الْمَسْجِدِ) بَعْدَ خُرُوجِ الْقَاضِي مَثَلًا إلَيْهِ لِحُرْمَةِ مُكْثِ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ رَأَى تَأْخِيرَهُ إلَى زَوَالِ الْمَانِعِ فَلَا بَأْسَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ، أَمَّا ذِمِّيَّةٌ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَمِنَ تَلْوِيثَهُمَا الْمَسْجِدَ وَذِمِّيٌّ جُنُبٌ فَيَجُوزُ تَمْكِينُهُمَا مِنْ الْمُلَاعَنَةِ فِيهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (وَ) يُلَاعِنُ (ذِمِّيٌّ) أَيْ كِتَابِيٌّ وَلَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا (فِي بِيعَةٍ) لِلنَّصَارَى (وَكَنِيسَةٍ) لِلْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِنَا لِمَسَاجِدِنَا (وَكَذَا بَيْتُ نَارٍ مَجُوسِيٍّ فِي الْأَصَحِّ) لِذَلِكَ فَيَحْضُرُهُ الْحَاكِمُ رِعَايَةً لِاعْتِقَادِهِمْ لِشُبْهَةِ الْكِتَابِ. وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ فَيُلَاعَنُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ نَحْوَ الْقَاضِي وَالْجَمْعِ الْآتِي يَحْضُرُ بِمَحَالِّهِمْ تِلْكَ إلَّا مَا بِهِ صُوَرٌ مُعَظَّمَةُ لِحُرْمَةِ دُخُولِهِ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِمْ وَتُلَاعِنُ كَافِرَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ فِيمَا ذُكِرَ لَا فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ (لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ) دَخَلَ دَارنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فَلَا يُلَاعِنُ فِيهِ بَلْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْحُرْمَةِ، وَاعْتِقَادُهُمْ لِوُضُوحِ فَسَادِهِ غَيْرُ مَرْعِيٍّ وَلِأَنَّ دُخُولَهُ مَعْصِيَةٌ وَلَوْ بِإِذْنِهِمْ، وَلَا تَغْلِيظَ فِيمَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ كَدَهْرِيٍّ وَزِنْدِيقٍ بَلْ يَحْلِفُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إذْ كُلُّ شَيْءٍ اسْتَقْبَلْته كَانَ الْمُقَابِلُ لِيَمِينِك يَسَارَهُ وَمُقَابِلُ يَسَارِك يَمِينَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ قَهْرًا) أَيْ وَأَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يُمْتَنَعُ، وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَيْهِ وَمُؤْنَةُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحَلُّ الْوَعْظِ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ أَشْرَفَ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَخْ لَا لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ لَائِقٍ بِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: الْعَجْلَانِيُّ) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ إلَى بَنِي الْعَجْلَانِ بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ اهـ لب لِلسُّيُوطِيِّ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَةَ مُلَاعَنَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ مَعَ امْرَأَتِهِ مَعَ أَنَّ مُلَاعَنَتَهُ أَسْبَقُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ مِنْ الْمُلَاعَنَةِ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ فِي بِيعَةٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا بِهِ صُورَةٌ مُعَظَّمَةٌ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ أَذِنُوا فِي دُخُولِهِ وَهُوَ الْآتِي بِلَا إذْنِهِمْ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ مُسْتَحَقًّا لَهُمْ وُجِدَتْ صُورَةٌ أَوْ لَمْ تُوجَدْ (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِهِمْ) أَيْ أَمَّا بِهِ فَيَجُوزُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ الدُّخُولِ بِإِذْنِهِمْ وُجُودُ حَاجَتِنَا لِلدُّخُولِ وَلَا وُجُودُ حَاجَتِهِمْ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي جَوَازِ الدُّخُولِ بِإِذْنِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا يَكْتَفِي بِإِذْنِ وَاحِدٍ مِنَّا فِي دُخُولِهِمْ مَسَاجِدَنَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ) أَيْ الزَّوْجُ (قَوْلُهُ: فَلَا يُلَاعِنُ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّ دُخُولَهُ مَعْصِيَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: أَيْ لَا يُسَنُّ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ صُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ (قَوْلُهُ: كَدَهْرِيٍّ) عِبَارَةُ مُخْتَارِ الصَّحَاحِ: وَالدُّهْرِيُّ بِالضَّمِّ: الْمُسِنُّ وَبِالْفَتْحِ الْمُلْحِدُ.
قَالَ ثَعْلَبُ كِلَاهُمَا مَنْسُوبٌ إلَى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ اهـ.
وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: وَالدَّهْرِيُّ بِضَمِّ الدَّالِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَبِفَتْحِهَا
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ التَّغْلِيظِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ إلَخْ.) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ التَّغْلِيظِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُقَيَّدَ بِهَذَا، فَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَحَلُّ التَّغْلِيظِ بِمَا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ مِنْ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِلنَّصَارَى) اللَّامُ فِيهِ بِمَعْنَى فِي وَكَذَا فِي لِلْيَهُودِ وَلَيْسَتْ لِلِاخْتِصَاصِ، وَإِلَّا أَفَادَ أَنَّ الذِّمِّيَّ مُطْلَقًا يُلَاعِنُ فِي كُلٍّ مِنْ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ فَيُلَاعِنُ النَّصَارَى فِيهِمَا وَكَذَا الْيَهُودُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا بِهِ صُوَرٌ) هَذَا لَيْسَ جُمْلَةَ مَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِهِمْ) هَلْ مِنْهُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الدُّخُولِ لِلْمُلَاعَنَةِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَامْتَنَعُوا، فَأَيُّ مَحَلٍّ يُلَاعِنُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute