للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ هُنَا، وَفِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ احْتِيَاطًا لَهُ لِشِدَّةِ لُصُوقِهِ بِهِ وَصِلَةً لِرَحِمِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ يَتَفَاوَتُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ لِاخْتِلَافِ مَدَارِكِهَا لَمْ يَبْعُدْ (مُدٌّ وَمُتَوَسِّطُ مُدٍّ وَنِصْفٌ) وَلَوْ لِرَفِيعَةٍ.

أَمَّا أَصْلُ التَّفَاوُتِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] وَأَمَّا ذَلِكَ التَّقْدِيرُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مَالٌ.

وَجَبَ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ، وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِيهَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ كَفَّارَةً نَحْوَ الْحَلْقِ فِي النُّسُكِ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ لَهُ مُدٌّ فِي كَفَّارَةِ نَحْوِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَهُوَ يُكْتَفَى بِهِ الزَّهِيدُ وَيَنْتَفِعُ بِالرَّغِيبِ فَلَزِمَ الْمُوسِرَ الْأَكْثَرُ وَالْمُعْسِرَ الْأَقَلُّ وَالْمُتَوَسِّطَ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرَفُ الْمَرْأَةِ وَضِدُّهُ لِأَنَّهَا لَا تُعَيَّرُ بِذَلِكَ وَلَا الْكِفَايَةُ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَرِيضَةِ وَالشَّبْعَانَةِ وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ خَبَرِ هِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْكِفَايَةِ الَّذِي ذَهَبَ إلَى اخْتِيَارِهِ جَمْعٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَأَطَالُوا الْقَوْلَ فِيهِ.

يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهَا فِيهِ بِالْكِفَايَةِ فَقَطْ بَلْ بِهَا بِحَسَبِ الْمَعْرُوفِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْعُقُولِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَلَوْ فَتَحَ لِلنِّسَاءِ بَابَ الْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لَوَقَعَ التَّنَازُعُ لَا إلَى غَايَةٍ فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ اللَّائِقُ بِالْعُرْفِ فَاتَّضَحَ كَلَامُهُمْ، وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَلَفًا فِي التَّقْدِيرِ بِالْأَمْدَادِ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْت الصَّوَابُ أَنَّهَا بِالْمَعْرُوفِ تَأَسِّيًا وَاتِّبَاعًا، وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهَا فِي مُقَابِلِهِ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّقْدِيرَ فَتَعَيَّنَ.

وَأَمَّا تَعَيُّنُ الْحَبِّ فَلِأَنَّهَا أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُقَابِلٍ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْقَدْرِ، لِأَنَّا وَجَدْنَا ذَوِي النُّسُكِ مُتَفَاوِتِينَ فِيهِ، فَأَلْحَقْنَا مَا هُنَا بِذَلِكَ فِي أَصْلِ التَّقْدِيرِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَصْلُهُ تَعَيَّنَ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى يُوجِبُ التَّفَاوُتَ وَهُوَ مَا تَقَرَّرَ (وَالْمُدُّ) الْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِهِ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْوَزْنَ اسْتِظْهَارًا أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ كَمَا مَرَّ ثُمَّ الْوَزْنَ اخْتَلَفُوا فِيهِ (مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ) بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي رِطْلِ بَغْدَادَ (قُلْت: الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ) دِرْهَمًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ فِيهِ (وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ) الْمَارُّ ضَابِطُهُ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ هُوَ (مُعْسِرٌ) وَفَقِيرُهَا بِالْأَوْلَى، وَدَعْوَى أَنَّ عِبَارَتَهُ مَقْلُوبَةٌ وَصَوَابُهَا وَالْمُعْسِرُ هُوَ مِسْكِينُ الزَّكَاةِ مَرْدُودَةٌ.

وَمِمَّا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ قَدْ يُسْقِطُهَا وَإِلَّا فَالْإِعْسَارُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَنْتَقِلُ مَعَهُ لِلصَّوْمِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: يَتَفَاوَتُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَبْعُدْ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُسْتَغْنَى عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ التَّوْجِيهِ لِأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى الْحِكْمَةِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَحْوَالِ الْمُبَعَّضِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِرَفِيعَةٍ) أَيْ رَفِيعَةُ النَّسَبِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَكْتَفِي بِهِ الزَّهِيدُ) أَيْ قَلِيلُ الْأَكْلِ (قَوْلُهُ: لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَلَفًا) لَمْ يَظْهَرْ مِمَّا ذَكَرَهُ رَدٌّ لِمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا سَلَفًا وَلَمْ يَقُلْ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا فَلَا يَتِمُّ الرَّدُّ عَلَيْهِ إلَّا إذَا نَقَلَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِنَا مَا يُوَافِقُ مَا قَالَهُ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنَّهَا فِي مُقَابِلِهِ) أَيْ الشَّيْءِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ (قَوْلُهُ الْمَارُّ ضَابِطُهُ) أَيْ بِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ لَفْظِ لِأَنَّ بِأَنْ يَقُولَ وَالنَّظَرُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَفِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ) أَيْ، وَإِنَّمَا جَعَلُوهُ مُوسِرًا فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ إذْ هَذَا لَيْسَ إلَّا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.

(قَوْلُهُ: وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا إلَخْ.) أَيْ انْدَفَعَ بِالنَّظَرِ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْت إلَخْ. وَأَمَّا أَوَّلُ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَلَفًا بِالتَّقْدِيرِ بِالْأَمْدَادِ فَالشَّارِحُ مُسَلِّمُهُ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَانْدَفَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَتَفَاوَتُوا فِي الْقَدْرِ إلَخْ.) اُنْظُرْ هَلْ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ: أَمَّا أَصْلُ التَّفَاوُتِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا ذَلِكَ التَّقْدِيرُ إلَخْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا ذَوِي النُّسُكِ مُتَفَاوِتِينَ) لَا يَخْفَى أَنَّ دُونَ النُّسُكِ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْقَدْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِاعْتِبَارِ الْمُوجِبِ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ شَخْصٍ عَلَى حِدَتِهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّا رَاعَيْنَا حَالَ الشَّخْصِ، فَأَوْجَبْنَا عَلَى الْمُوسِرِ مَا لَمْ نُوجِبْهُ عَلَى الْمُعْسِرِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُوجِبِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا تَقَرَّرَ فِي ذَوِي النُّسُكِ.

(قَوْلُهُ: وَدَعْوَى أَنَّ عِبَارَتَهُ مَقْلُوبَةٌ إلَخْ.) قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ هِيَ الَّتِي تَنْبَغِي

<<  <  ج: ص:  >  >>