لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْتَفِي بِهِ، فَلَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا يَفِي بِثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَبْطُلُ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ يَكْتَسِبُ مَا بَقِيَ بِهَا فَلَا فَسْخَ لِعَدَمِ مَشَقَّةِ الِاسْتِدَانَةِ حِينَئِذٍ فَصَارَ كَالْمُوسِرِ، وَمِثْلُهُ نَحْوُ نَسَّاجٍ يَنْسِجُ فِي الْأُسْبُوعِ ثَوْبًا أُجْرَتُهُ تَفِي بِنَفَقَةِ الْأُسْبُوعِ وَمَنْ تُجْمَعُ لَهُ أُجْرَةُ الْأُسْبُوعِ فِي يَوْمٍ مِنْهُ وَهِيَ تَفِي بِنَفَقَةِ جَمِيعِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّا نُصَبِّرُهَا أُسْبُوعًا بِلَا نَفَقَةٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ وَاجِدِ نَفَقَتِهَا وَيُنْفِقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ، وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّا مَعَ كَوْنِنَا نُمَكِّنُهَا مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَنَأْمُرُهُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَالْإِنْفَاقِ لَا نَفْسَخُ عَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ امْتِنَاعُ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَنْهُ كَامْتِنَاعِ الْمُوسِرِ فَلَا فَسْخَ بِهِ وَلَا أَثَرَ لِعَجْزِهِ إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَخَرَجَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَلَا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ الْكَسْبُ بِنَحْوِ بَيْعِ خَمْرٍ كَالْعَدَمِ وَبِنَحْوِ صَنْعَةِ آلَةِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَلَا فَسْخَ لِزَوْجَتِهِ، وَكَذَا مَا يُعْطَاهُ مُنَجِّمٌ وَكَاهِنٌ لِأَنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَهُوَ كَالْهِبَةِ مَرْدُودٌ، إذْ الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِصَانِعِ مُحَرَّمٍ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِآنِيَةِ نَقْدٍ وَنَحْوِهَا، وَمَا يُعْطَاهُ نَحْوُ الْمُنَجِّمِ إنَّمَا يُعْطَاهُ أُجْرَةً لَا هِبَةً فَلَا وَجْهَ لِكَلَامِهِمَا (وَإِنَّمَا تُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ) إذْ الضَّرَرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَذَّى أَوْ لَا يَتَعَشَّى حَنِثَ بِأَكْلِهِ زِيَادَةً عَلَى نِصْفِ عَادَتِهِ، لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ تَغَدَّى أَوْ تَعَشَّى، وَهَا هُنَا عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ وَهِيَ لَا تَقُومُ بِدُونِ مُدٍّ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نِصْفَ مُدٍّ غَدَاءً وَنِصْفَهُ عَشَاءً فَلَا فَسْخَ
(وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ) أَوْ بِبَعْضِهَا الضَّرُورِيِّ كَقَمِيصٍ وَخِمَارٍ وَجُبَّةٍ شِتَاءً، بِخِلَافِ نَحْوِ سَرَاوِيلَ وَمِخَدَّةٍ وَفُرُشٍ وَأَوَانٍ (كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ) بِجَامِعِ أَنَّ الْبَدَنَ لَا يَبْقَى بِدُونِهِمَا (وَكَذَا) الْإِعْسَارُ (بِالْأُدُمِ وَالْمَسْكَنِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَمَنْ تُجْمَعُ لَهُ أُجْرَةُ الْأُسْبُوعِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأُسْبُوعَ هُوَ الْغَايَةُ فِي الْإِمْهَالِ، فَمَنْ لَهُ غَلَّاتٌ تُسْتَحَقُّ آخِرَ كُلِّ شَهْرٍ لَا تُمْهَلُ إلَى حُصُولِهَا حَيْثُ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَزِيدُ عَلَى أُسْبُوعٍ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى النَّفَقَةِ أَضْعَافًا لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الِاقْتِرَاضِ كَمَا لَوْ غَابَ مَالُهُ، بَلْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تُمْهَلُ إلَى مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ الَّتِي هِيَ مُدَّةُ إمْهَالِ الشَّرْعِ، لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعَ كَوْنِنَا نُمَكِّنُهَا مِنْ مُطَالَبَتِهِ إلَخْ خِلَافُهُ لِأَنَّا حَيْثُ أَلْحَقَتَاهُ بِالْمُوسِرِ امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْفَسْخُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي يُعْتَادُ حُصُولُ غَلَّتِهِ فِيهَا، وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُوسِرِ، فَإِنَّ الْمُوسِرَ يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُ نَفَقَتِهَا مِنْهُ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا فَتَتَضَرَّرُ فَهُوَ بِمَنْ غَابَ مَالُهُ أَشْبَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَدِنْ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهَا بِالصَّبْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ امْتَنَعَ) أَيْ مِنْ الِاقْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: فَلَا فَسْخَ بِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ فَيَجْبُرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْإِجْبَارُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُفْسَخَ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ لِتَضَرُّرِهَا بِالصَّبْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِعَجْزِهِ) أَيْ بِمَرَضٍ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْحَلَالِ) اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَخْرُجُ بِاللَّائِقِ، وَفِي حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ السَّابِقِ اللَّائِقِ، وَكَذَا غَيْرُهُ إذَا أَرَادَ تَحَمُّلَ الْمَشَقَّةِ بِمُبَاشَرَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ.
وَقَدْ يُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَمِثْلُ الْكَسْبِ غَيْرُهُ بِأَنْ يُرَادَ بِالْكَسْبِ فِي كَلَامِهِ الْكَسْبُ السَّابِقُ وَهُوَ الْحَلَالُ اللَّائِقُ، لَكِنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَ بِالْحَلَالِ الْحَرَامَ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ غَيْرُ الْكَسْبِ اللَّائِقِ (قَوْلُهُ: وَمَا يُعْطَاهُ نَحْوُ الْمُنَجِّمِ) وَمِنْ نَحْوِ الْمُنَجِّمِ مَا يُعْطَاهُ الطَّبِيبُ الَّذِي لَا يُشَخِّصُ الْمَرَضَ وَلَا يُحْسِنُ الطِّبَّ وَلَكِنْ يُطَالِعُ كُتُبَ الطِّبِّ وَيَأْخُذُ مِنْهَا مَا يَصِفُهُ لِلْمَرِيضِ فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّ مَا يُعْطَاهُ أُجْرَةٌ عَلَى ظَنِّ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ عَارٍ مِنْهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَصْفُ الدَّوَاءِ حَيْثُ كَانَ مُسْتَنِدُهُ مُجَرَّدَ ذَلِكَ اهـ فَتَاوَى حَجّ الْحَدِيثِيَّةِ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِأَكْلِهِ) يَقِينًا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ زِيَادَةً عَلَى نِصْفِ عَادَتِهِ) وَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُ فِي الْأَكْلِ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا اُعْتُبِرَ فِي كُلِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان مَا هُوَ عَادَتُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نِصْفَ مُدٍّ غَدَاءً) أَيْ نِصْفُ مُدٍّ يَدْفَعُهُ وَقْتَ الْغَدَاءِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ وَمِخَدَّةٍ وَفُرُشٍ) أَيْ لَا تَتَضَرَّرُ
[حاشية الرشيدي]
وَكَذَا غَيْرُهُ انْتَهَتْ: أَيْ غَيْرُ اللَّائِقِ، وَالشَّارِحُ تَصَرَّفَ فِي عِبَارَتِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَبْدَلَ لَفْظَ الْكَسْبِ بِاللَّائِقِ لَصَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute