وَهُوَ مَا يَنْزِلُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَيُرْجَعُ فِي مُدَّتِهِ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقِيلَ تَتَقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِسَبْعَةٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا وَمَعَ ذَلِكَ لَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ كَمَا يَجِبُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ بِالْبَذْلِ (ثُمَّ بَعْدَهُ) أَيْ إرْضَاعِهِ اللِّبَأَ (إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ إرْضَاعُهُ) عَلَى مَنْ وُجِدَتْ إبْقَاءً لَهُ وَلَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ (وَإِنْ وُجِدَتَا لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ) خَلِيَّةً كَانَتْ أَوْ فِي نِكَاحِ أَبِيهِ وَإِنْ لَاقَ بِهَا إرْضَاعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦] (فَإِنْ رَغِبَتْ) فِي إرْضَاعِهِ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ (وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ) أَيْ الطِّفْلِ (فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ) لِيَكْمُلَ تَمَتُّعُهُ بِهَا (قُلْت: الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ لِمَزِيدِ شَفَقَتِهَا بِهِ وَصَلَاحِ لَبَنِهَا لَهُ فَاغْتُفِرَ لِأَجْلِ ذَلِكَ نَقْصُ تَمَتُّعِهِ بِهَا إنْ فُرِضَ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ كَمَالِهِ لَا يُشَوِّشُ أَصْلَ الْعِشْرَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، عَلَى أَنَّ غَالِبَ النَّاسِ يُؤْثِرُ فَقْدَهُ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ وَلَدِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ النَّادِرُ فِي ذَلِكَ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ هَذَا التَّصْحِيحُ غَيْرُ مُلَاقٍ لَهُ فَلْيُحْذَرْ.
أَمَّا غَيْرُ مَنْكُوحَةٍ بِأَنْ كَانَتْ خَلِيَّةً فَإِنْ تَبَرَّعَتْ مُكِّنَتْ مِنْهُ قَطْعًا، وَإِلَّا فَكَمَا فِي قَوْلِهِ (فَإِنْ) (اتَّفَقَا) عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تُرْضِعُهُ (وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ) لَهُ وَقُلْنَا: إنَّ لِلزَّوْجِ اسْتِئْجَارَ زَوْجَتِهِ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِتَضَمُّنِهِ رِضَاهُ بِتَرْكِ التَّمَتُّعِ وَفُرِضَ الْكَلَامُ فِي الزَّوْجَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي اسْتِئْجَارِهَا، وَإِلَّا فَحُكْمُ الْخَلِيَّةِ كَذَلِكَ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ: تَخْصِيصُ الزَّوْجَةِ مَعَ ذِكْرِ أَصْلِهِ لِغَيْرِهَا أَيْضًا لَا وَجْهَ لَهُ (أُجِيبَتْ) وَكَانَتْ أَحَقَّ بِهِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يُنْقِصُ إرْضَاعُهَا تَمَتُّعَهُ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ، كَذَا قَالَاهُ، وَاعْتَرَضَهُمَا الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ ذَاكَ حَيْثُ لَمْ يَصْحَبْهَا فِي سَفَرِهَا، وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَهُوَ هُنَا مُصَاحِبُهَا فَلْتَسْتَحِقَّهَا، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الرَّضَاعِ أَنْ يُشَوِّشَ التَّمَتُّعَ غَالِبًا، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ فَاتَ بِهِ كَمَالُ التَّمْكِينِ سَقَطَتْ، وَإِلَّا فَلَا فَلَمْ يَنْظُرُوا هُنَا لِلْمُصَاحَبَةِ، وَمِنْ هَذَا الْفَرْقِ يُؤْخَذُ مَا أَفْتَيْت بِهِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ خَرَجَتْ فِي الْبَلْدَةِ بِإِذْنِهِ لِصِنَاعَةٍ لَهَا لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، بِخِلَافِ سَفَرِهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهَا لِتَمَكُّنِهِ عَادَةً مِنْ اسْتِرْجَاعِهَا دُونَ الْمُسَافَرَةِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي كَلَامِهِمَا فِي الْعَدَدِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ لِإِرْضَاعٍ بِإِذْنِهِ فِي الْبَلْدَةِ سَقَطَتْ.
وَخَرَجَ بِطَلَبَتْ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ سَاكِتَةً، فَلَا أُجْرَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَبَرِّعَةٌ (أَوْ) طَلَبَتْ (فَوْقَهَا) أَيْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (فَلَا) تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ لِتَضَرُّرِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِخِلَافِ عَدَمِ سَقْيِ اللِّبَأِ فَإِنَّ عَدَمَهُ لَيْسَ مُحَقِّقًا لِمَوْتِ الْوَلَدِ وَلَا كَالْمُحَقِّقِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ غَالِبًا مَعَ أَنَّهُ شُوهِدَ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ يَمُتْنَ عَقِبَ وِلَادَتِهِنَّ وَيُرْضِعُ الْوَلَدَ غَيْرُ أُمِّهِ وَيَعِيشُ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَنْزِلُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ) أَيْ عَقِبَهَا (قَوْلُهُ: يُؤْثِرُ فَقْدَهُ) أَيْ التَّمَتُّعَ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي كَلَامِهِمَا) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِرْضَاعِ مُصَوَّرَةٌ بِمَا لَوْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلْإِرْضَاعِ بِإِذْنِهِ وَخَرَجَتْ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَوْدِهَا لِاسْتِحْقَاقِ مَنْفَعَتِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: فَلَا أُجْرَةَ لَهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ سُكُوتُهَا لِجَهْلِهَا بِجَوَازِ طَلَبِ الْأُجْرَةِ وَيَنْبَغِي وُجُوبُ إعْلَامِهَا بِاسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ كَمَا قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي وُجُوبِ الْإِعْلَامِ بِالْمُتْعَةِ، وَقِيَاسُهُ: وُجُوبُ الْإِعْلَامِ بِكُلِّ مَا لَا تَعْلَمُ بِحُكْمِهِ الْمَرْأَةُ
[حاشية الرشيدي]
لَكِنْ، ثُمَّ اُنْظُرْ لِمَ نَصَّ عَلَى ثُبُوتِ احْتِيَاجِ الْفَرْعِ وَغِنَى الْأَصْلِ دُونَ عَكْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْوِلَادَةِ) أَيْ عَقِبَهَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ خَلِيَّةً) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً لِلْغَيْرِ فَلَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَ وَلَدِهِ مِنْ دُخُولِ دَارِ الزَّوْجِ إنْ رَضِيَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَحُكْمُ الْخَلِيَّةِ كَذَلِكَ) أَيْ كَمَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِهَا) أَيْ الْخَلِيَّةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْقُصْ إرْضَاعُهَا تُمَتِّعُهُ إلَخْ.) ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا لَوْ لَمْ تَأْخُذْ أُجْرَةً وَأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ النَّفَقَةَ مُطْلَقًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا الْفَرْقِ يُؤْخَذُ إلَخْ.) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي كَلَامِهِمَا إلَخْ.) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute