للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ الْقَضَاءُ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ إذْ الْمَدَارُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى نُدْرَةِ فَقَدْ الْمَاءِ لَا بِالْإِقَامَةِ.

وَفِي عَدَمِهِ عَلَى كَثْرَةِ فَقْدِ الْمَاءِ لَا بِالسَّفَرِ، أَوْ أَقَامَ فِي مَفَازَةٍ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ وَصَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ اسْتَوَى الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْقَضَاءِ (إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَعَبْدٍ آبِقٍ وَامْرَأَةٍ نَاشِزَةٍ، لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاطُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ فِعْلُهُ خَرَجَ عَنْ مُضَاهَاةِ الرُّخَصِ الْمَحْضَةِ، قَالَهُ الْإِمَامُ.

قِيلَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ مَحْضَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: هُوَ رُخْصَةٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ سَبَبِ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَعَزِيمَةٌ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُهُ وَتَحَتُّمُهُ اهـ.

وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ فِي أَكْلِ الْمُضْطَرِّ الْمَيِّتَةَ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَمَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ.

وَأَمَّا تَرَدُّدُ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعٍ أَنَّ الْوُجُوبَ هَلْ يُجَامِعُ الرُّخْصَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ هَلْ يُجَامِعُ الرُّخْصَةَ الْمَحْضَةَ.

وَقَدْ يُقَالُ: الْأَوْجَهُ مَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْوُجُوبَ يُجَامِعُ الرُّخْصَةَ الْمَحْضَةَ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي تَغَيُّرَهَا إلَى سُهُولَةٍ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا لَمَّا كَانَ مُوَافِقًا لِغَرَضِ النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهَا مِنْ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ غَالِبًا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّسْهِيلِ، وَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ فِيهِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ حِسًّا لَا شَرْعًا لِنَحْوِ مَرَضٍ وَعَطَشٍ.

فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَتُوبَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى زَوَالِ مَانِعِهِ بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ عَصَى بِالْإِقَامَةِ بِمَحِلٍّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَتَيَمَّمَ لِفَقْدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلرُّخْصَةِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى يَفْتَرِقَ الْحَالُ بَيْنَ الْعَاصِي وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّفَرِ.

فَانْدَفَعَ مَا لِلسُّبْكِيِّ هُنَا وَخَرَجَ الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ كَأَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُرَخَّصَ غَيْرُ مَا بِهِ الْمَعْصِيَةِ.

وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ صَارَ عَزِيمَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى فَيَفْعَلُهَا وَيَقْضِي الظُّهْرَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

(وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ) وَلَوْ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِهِ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) لِنُدُورِ فَقْدِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ أَوْ يَدْثُرُ بِهِ أَعْضَاءَهُ وَلَوْ وَقَعَ لَا يَدُومُ.

الثَّانِي لَا يَقْضِي لِحَدِيثِ عَمْرٍو السَّابِقِ.

وَأُجِيبَ عَنْ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَالَمًا بِوُجُوبِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ حَجّ وَمَا اسْتَقَرَّ بِهِ الْمُحَشِّي فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يُغْلَطُ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى نُدْرَةِ فَقْدِ الْمَاءِ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: يُحْتَمَلُ تَقْيِيدُهُ نُدْرَةَ فَقْدِ الْمَاءِ بِعَدَمِهِ، فَإِنْ كَانَ لِمَانِعٍ حِسِّيٍّ كَسَبُعٍ حَائِلٍ وَتَأَخُّرِ نَوْبَتِهِ فِي بِئْرٍ تَنَاوَبُوهُ عَنْ الْوَقْتِ لَمْ يَبْعُدْ عَدَمُ الْقَضَاءِ م ر (قَوْلُهُ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْقَضَاءِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُنَاطُ) أَيْ يُعَلَّقُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إلَخْ) هُوَ تَعْلِيلٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ كَوْنِهِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، فَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ بُطْلَانُ التَّيَمُّمِ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ (قَوْلُهُ: فَعَلَهُ) أَيْ التَّيَمُّمَ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ) أَيْ الْعَاصِي وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ السَّفَرِ (قَوْلُهُ: بِالتَّوْبَةِ) قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّ عِصْيَانَهُ بِالسَّفَرِ مَانِعٌ مِنْ تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلتَّيَمُّمِ لَمْ يَعْصِ بِهِ وَالسَّفَرَ الَّذِي عَصَى بِهِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّيَمُّمِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَانِعِهِ بِالتَّوْبَةِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِجَوَابٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَصَى) أَيْ شَخْصٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَحَلُّ الَّذِي أَقَامَ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا تُقْضَى) أَيْ جُمُعَةٌ.

(قَوْلُهُ: لِنُدُورِ فَقْدِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ) وَلَوْ تَنَاوَبَ جَمْعٌ الِاغْتِسَالَ مِنْ مُغْتَسَلِ الْحَمَّامِ لِلْخَوْفِ مِنْ الْبَرْدِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ نَوْبَتَهُ تَأْتِي فِي الْوَقْتِ وَجَبَ انْتِظَارُهَا وَامْتَنَعَ التَّيَمُّمُ سَوَاءٌ كَانَ تَأَخُّرُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِنَحْوِ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ السَّابِقَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ بِتَعَدِّي غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَأْتِي إلَّا خَارِجَ الْوَقْتِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ يَجِبُ الْقَضَاءُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ مَا تَنَاوَبُوا فِيهِ لَكِنْ مُنِعَ اسْتِعْمَالُهُ لِنَحْوِ بَرْدٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ فِعْلُهُ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَعْنًى هُنَا؛ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِتَعْلِيلِ الثَّانِي الْآتِي وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَيْضًا الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>