لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالشَّاقَّةِ لِيُحْتَرَزَ مِنْ نَحْوِ رَبْطِ الدَّرَاهِمِ فِي الْكُمِّ وَوَضْعِ الْمَالِ فِي الْحِرْزِ سَاقِطٌ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ صُورَتُهَا: أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَرَةٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا.
قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ وَالْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا اهـ.
وَهَذَا فِي مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ عِمَارَةُ عَقَارِهِ وَحِفْظُ شَجَرِهِ وَزَرْعِهِ بِالسَّقْيِ وَغَيْرِهِ وَفِي الطَّلْقِ.
أَمَّا الْوَقْفُ فَيَجِبُ عَلَى نَاظِرِهِ عِمَارَتُهُ حِفْظًا لَهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا: إمَّا مِنْ رِيعِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ شُرُوطِهَا الْوَاقِفُ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَأَمَّا لَوْ أَجَّرَ عَقَارَهُ ثُمَّ اخْتَلَّ فَعَلَيْهِ عِمَارَتُهُ إنْ أَرَادَ بَقَاءَ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ تَخَيَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ غَابَ الرَّشِيدُ عَنْ مَالِهِ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَلَا نَائِبَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَعْمُرُ عَقَارَهُ وَيَسْقِي زَرْعَهُ وَثَمَرَهُ مِنْ مَالِهِ الظَّاهِرِ؟ نَعَمْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَ مَالِ الْغُيَّبِ كَالْمَحْجُورِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ مَدْيُونٌ وَتَرَكَ زَرْعًا وَغَيْرَهُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْعَى فِي حِفْظِهِ بِالسَّقْيِ وَغَيْرِهِ إلَى أَنْ يُبَاعَ فِي دُيُونِهِ حَيْثُ لَا وَارِثَ خَاصٌّ يَقُومُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَحْضُرْنِي فِي هَذَا نَقْلٌ خَاصٌّ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى الْحَاجَةِ خِلَافُ الْأُولَى، وَرُبَّمَا قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا.
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا فِي هَذَا التُّرَابِ» وَفِي أَبِي دَاوُد «كُلُّ مَا أَنْفَقَهُ ابْنُ آدَمَ فِي التُّرَابِ فَهُوَ عَلَيْهِ وَبَالٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَا إلَّا مَا» أَيْ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ: أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْبِنَاءِ بِهِ مَقْصِدًا صَالِحًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَا تُكْرَهُ عِمَارَةٌ لِحَاجَةٍ، وَإِنْ طَالَتْ، وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى مَنْعِ مَا زَادَ عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، وَأَنَّ فِيهِ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ لِلْخُيَلَاءِ وَالتَّفَاخُرِ عَلَى النَّاسِ.
وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُتَّجَهُ جَوَازُ إلْقَاءِ مَا اغْتَرَفَهُ مِنْ الْبَحْرِ عَلَى التُّرَابِ أَيْضًا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: وَوَضْعُ الْمَالِ فِي الْحِرْزِ سَاقِطٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ يَشُقُّ يُفِيدُ حُرْمَةَ التَّرْكِ إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ كَضَمِّ الْكُمِّ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ، قَدْ يُفْهِمُ التَّحْرِيمَ فِيمَا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِوَجْهٍ كَمَا فِي تَرْكِ تَنَاوُلِ دِينَارٍ عَلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ أَوْ ضَمِّ كُمِّهِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت م ر أَفَادَهُ اهـ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْعَى فِي حِفْظِهِ) وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْءٌ لِنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُمْ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبًا وَلَا جَدًّا وَلَهُمَا أَخْذُ الْأَقَلِّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَكِفَايَتِهِمَا
(قَوْلُهُ: إلَّا مَا) تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ: مَقْصِدًا صَالِحًا) أَيْ وَمِنْهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِغَلَّتِهِ بِصَرْفِهَا فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ أَوْ عَلَى عِيَالِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ عِمَارَةٌ لِحَاجَةٍ، وَإِنْ طَالَتْ) أَيْ بَلْ قَدْ تَجِبُ الْعِمَارَةُ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا مَفْسَدَةٌ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: سَاقِطٌ) كَأَنَّهُ لِأَنَّ الْإِسْنَوِيَّ أَشَارَ بِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّهَا قَدْ تَشُقُّ إلَى أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْحُرْمَةِ بِتَرْكِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ الْمَشَقَّةِ فِيهَا، فَإِيرَادُ ذَلِكَ عَلَى كَلَامِهِ مَعَ إشَارَتِهِ إلَيْهِ سَاقِطٌ، لَكِنْ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ مَعَ تَعْبِيرِهِ بِقَدْ الْمُفِيدَةِ لِعَدَمِ الْحُرْمَةِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ (قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُهَا تَرْكُ الدَّارِ وَالزَّرْعِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: مُسْتَغْرِقَةٌ) اُنْظُرْ مَفْهُومُهُ وَكَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ حَيْثُ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ (قَوْلُهُ: قَالَ إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤَجَّرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَتِمُّ بِهِ الدَّلِيلُ إلَّا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ مَا فِي الْخَبَرِ وَقَوْلُهُ: أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ إلَخْ. تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ مَا (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى وَلَدِهِ إلَخْ.) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ الدُّعَاءُ بِنَحْوِ الْمَوْتِ وَأَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَالتَّأْدِيبِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بِلَا حَاجَةٍ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَلَدِ وَالْخَادِمِ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ أَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ الظَّالِمَ إذَا دَعَا عَلَى الْمَظْلُومِ وَوَافَقَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ اُسْتُجِيبَ لَهُ إلَخْ. مَحَلُّ تَوَقُّفٍ.