قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوَقُّفُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: بِإِلْحَاقِهِ بِوَلَدِ الْأَمَةِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى مَا إذَا عَدَلَ بِهِ إلَى غَيْرِ لَبَنِ أُمِّهِ وَاسْتَمْرَأَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ سَقْيُهُ مَا يَحْيَا بِهِ، فَإِنْ أَبَاهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ كَانَ أَحَقَّ بِلَبَنِ أُمِّهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلُبَ مَا يَضُرُّهَا لِقِلَّةِ الْعَلْفِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْحَلْبِ إنْ ضَرَّهَا وَإِلَّا كُرِهَ لِلْإِضَاعَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ فِي الْحَلْبِ بَلْ يَتْرُكَ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا، وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا، وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ.
قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَارِّ، وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِ النَّحْلِ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ مِنْ الْعَسَلِ فِي الْكُوَّارَةِ قَدْرَ حَاجَتِهَا إنْ لَمْ يَكْفِهَا غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الشِّتَاءِ وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهَا كَانَ الْمُبْقَى أَكْثَرَ، فَإِنْ قَامَ شَيْءٌ مَقَامَ الْعَسَلِ فِي غِذَائِهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعَسَلُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ يَشْوِي دَجَاجَةً وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكُوَّارَةِ فَتَأْكُلُ مِنْهَا، وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِ دُودِ الْقَزِّ: إمَّا تَحْصِيلُ وَرَقِ الْتَوَتْ وَلَوْ بِشِرَائِهِ، وَإِمَّا تَخْلِيَتُهُ لِأَكْلِهِ إنْ وُجِدَ لِئَلَّا يَهْلَكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ، وَيَجُوزُ تَشْمِيسُهُ عِنْدَ حُصُولِ نَوْلِهِ وَإِنْ هَلَكَ بِهِ كَمَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ (وَمَا لَا رُوحَ لَهُ كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا) عَلَى مَالِكِهَا، وَعَلَّلَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ ذَلِكَ تَنْمِيَةٌ لِلْمَالِ، وَلَا يَجِبُ تَنْمِيَتُهُ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ يُجْبَرُ عَلَى عَلْفِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ إضْرَارًا بِهَا، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُمْ الْمَذْكُورُ.
قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: وَلِهَذَا يَأْثَمُ بِمَنْعِهِ فَضْلَ الْمَاءِ عَنْ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَأْثَمُ بِمَنْعِهِ عَنْ الزَّرْعِ، وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي كَرَاهَةَ تَرْكِهَا حَتَّى تَخْرَبَ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ تَرْكُ سَقْيِ الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَتِهِ لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ بِلَا خِلَافٍ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكَ أَعْمَالٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَشُقُّ، وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْعَاقِدَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ اهـ وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَيُقَالُ: يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مَا يُنَمِّيهِ نُمُوَّ أَمْثَالِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلُبَ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: حَلَبَ يَحْلُبُ بِالضَّمِّ حَلَبًا بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا
(قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا) أَيْ فَلَوْ عَلِمَ لُحُوقَ ضَرَرٍ لَهَا وَجَبَ قَصُّهَا
(قَوْلُهُ: مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ) أَيْ مِنْ الْجِلْدِ الَّذِي يُلَاقِي الظَّهْرَ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ عَلَيْهِ شَيْئًا (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ) قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ زِيَادَةً عَلَى مَا ذُكِرَ: وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا لَا تَعْذِيبَ فِيهِ اهـ حَجّ اهـ
(قَوْلُهُ: وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا) رَاعَى فِي تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ مَعْنَى مَا
(قَوْلُهُ: حَتَّى تَخْرَبَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: خَرِبَ الْمَوْضِعُ بِالْكَسْرِ خَرَابًا فَهُوَ خَرِبٌ اهـ (قَوْلُهُ: كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ) أَيْ بِلَا غَرَضٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى رَاكِبِ السَّفِينَةِ إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ إلْقَاءُ مَا لَا رُوحَ فِيهِ لِمَا فِيهِ رُوحٌ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ إلَخْ) هَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اغْتَرَفَ مِنْ الْبَحْرِ بِإِنَائِهِ ثُمَّ أَلْقَى مَا اغْتَرَفَهُ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ مَلَكَهُ تَنَازَعَ فِيهِ الْفُضَلَاءُ، وَيُتَّجَهُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا طب عَدَمُ التَّحْرِيمِ هُنَا؛ لِأَنَّ مَا يُغْتَرَفُ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَقِيرًا وَمِنْ جِنْسِ الْحَقِيرِ غَالِبًا.
وَمِمَّا وُضِعَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالِاشْتِرَاكِ وَمِمَّا لَا يَحْصُلُ بِإِلْقَائِهِ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ إلْقَاءَ الْحَطَبِ مِنْ الْمُحْتَطِبِ، وَكَذَلِكَ الْحَشِيشُ.
وَأَقُولُ: بَلْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَسَكَتَ عَنْ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ الْعَلَفِ) اُنْظُرْ مَا مَوْقِعُهُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ إلَخْ.) نُقِلَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ وَكَانَ يُؤْذِيهَا لَا يَجُوزُ حَلْبُهَا مَا لَمْ يَقُصَّ مَا يُؤْذِيهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُمْ الْمَذْكُورُ)