للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِبَدَلِهِمَا إنْ تَعَيَّنَا، وَلَمْ يُبَاعَا كَمَا يَجُوزُ سَقْيُهَا الْمَاءَ، وَالْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ، بَلْ يَجِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَيْثُ لَمْ يَخْفَ مُبِيحُ تَيَمُّمٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَى مُقْتَنِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ إفْتَاؤُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ: أَيْ لِيَأْكُلَ لَا كَسَوَائِبِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ يَدْفَعَهُ لِمَنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ حَبْسُهُ لِيَهْلَكَ جُوعًا، وَلَا يَجُوزُ حَبْسُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِيَهْلَكَ جُوعًا بَلْ يَحْسُنُ قَتْلُهُ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ، وَيَحْرُمُ تَكْلِيفُهَا عَلَى الدَّوَامِ مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهَا إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمَةِ غَيْرُهَا كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَلْ يَجُوزُ الْحَرْثُ عَلَى الْحُمُرِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّهَا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلْبِسَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ مَا يَقِيهَا مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّهَا ضَرَرًا بَيِّنًا اعْتِبَارًا بِكِسْوَةِ الرَّقِيقِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْحَيَوَانِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ كَالْبَقَرِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ وَالْإِبِلِ وَالْحَمِيرِ لِلْحَرْثِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إذْ أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا فَقَالَتْ إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الْمُرَادُ أَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنْ) (امْتَنَعَ) مِنْ الْقِيَامِ بِكِفَايَةِ دَابَّتِهِ الْمُحْتَرَمَةِ (أُجْبِرَ فِي الْمَأْكُولِ عَلَى بَيْعٍ) أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ. وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ)

أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ عَلْفٍ) صَوْنًا لَهَا عَنْ التَّلَفِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَ الْحَاكِمُ مَا يَرَاهُ مِنْهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الرَّقِيقِ يَأْتِي هُنَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَهَا الْحَاكِمُ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَجَّرَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّقِيقِ وَيَأْتِي مَا مَرَّ هُنَاكَ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حَيَوَانٌ يُؤْكَلُ وَآخَرُ لَا يُؤْكَلُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَفَقَةَ أَحَدِهِمَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُمَا فَهَلْ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَيَذْبَحُ الْمَأْكُولَ أَمْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ يُسَاوِي أَلْفًا، وَغَيْرُهُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ اهـ.

وَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ فِي الْحَالَيْنِ (وَلَا) (يَحْلُبُ) مِنْ لَبَنِهَا (مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ كَمَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ، بَلْ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ كَانَ لَبَنُهَا دُونَ غِذَاءِ وَلَدِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَكْمِيلُ غِذَائِهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يَحْلُبُ الْفَاضِلَ عَنْ رَيِّهِ.

قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَالْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مَا يُقِيمُهُ حَتَّى لَا يَمُوتَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَذَا،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَيُعْتَبَرُ رَغْبَتُهُ وَزَهَادَتُهُ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ التَّرَدُّدِ عَلَى الْعَادَةِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ أَلَمَ الْجُوعِ لِإِتْمَامِ الشِّبَعِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ: أَيْ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَأَمَّا إشْبَاعُهُ فَوَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ ثَمَّ فِي حَجّ، وَأَحَالَ حَجّ مَا هُنَا وَنَفَقَةَ الرَّقِيقِ بَعْدَ التَّعْبِيرِ فِيهِمَا بِأَوَّلِ الشِّبَعِ عَلَى مَا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِأَوَّلِ الشِّبَعِ هُنَا الشِّبَعَ عُرْفًا لَا الْمُبَالَغَةَ فِيهِ

(قَوْلُهُ: بِبَدَلِهِمَا) أَيْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِقِيمَةِ وَقْتِ التَّلَفِ

(قَوْلُهُ: بَلْ يَجِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ سَقْيِهَا، وَالتَّيَمُّمِ أَوْ هُوَ وَالْغَصْبُ، وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهَا إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ) وَمِثْلُهُ النَّخْسُ حَيْثُ اُعْتِيدَ لِمِثْلِهِ فَيَجُوزُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُهُ وَالْبِغَالَ: أَيْ وَنَحْوَهَا حَيْثُ لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ إلَّا بِهِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَهَا) قَضِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَفِي نَفَقَةِ الرَّقِيقِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا، وَتَقَدَّمَ لحج فِي نَفَقَةِ الرَّقِيقِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُرَاعِي مَا هُوَ الْأَصْلَحُ مِنْ بَيْعِ الرَّقِيقِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي مَا مَرَّ هُنَاكَ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ قَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ

(قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ) أَيْ بِأَنْ يَذْبَحَ لَهُ الْمَأْكُولَ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلُبُ) بِضَمِّ اللَّامِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُخْتَارِ

(قَوْلُهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ فِي الِاكْتِفَاءِ:

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَهُوَ حُكْمٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا أُتِيَ بِهِ هُنَا لِيَقِيسَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ إثْبَاتَ حُكْمِهِ هُنَا وَهَذَا ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ تَكْلِيفُهَا) يَعْنِي: الدَّوَابَّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَهَا الْحَاكِمُ إلَخْ.) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ عَلَفِهَا، وَإِرْسَالِهَا وَلَا مَالَ لَهُ آخَرُ أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ أَوْ ذَبْحِ الْمَأْكُولَةِ أَوْ الْإِيجَارِ صَوْنًا لَهَا عَنْ التَّلَفِ، فَإِنْ أَبَى فَعَلَى الْحَاكِمِ الْأَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَتْ.

وَبِهَا يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ إجْبَارَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى فِعْلِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُقَيَّدْ فِعْلُ الْحَاكِمِ بِالْأَصْلَحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>