لَمْ يَجُزْ وَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ، فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَيَسْرِقَ، وَلَا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْتَسِبَ بِفَرْجِهَا، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِ عَزْوُهُ إلَى عُمَرَ، وَيُجْبَرُ النَّقْصُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مُؤْنَتَهُ تَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ مُخَارَجَةَ قِنِّ مَحْجُورِهِ مَصْلَحَةً مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَبَرُّعًا وَإِنْ كَانَتْ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.
نَعَمْ لَوْ انْحَصَرَ صَلَاحُهُ فِيهَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ آخِرَ الْحَجْرِ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكِهِ: رَبِّي بَلْ يَقُولُ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ، وَأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ عَبْدِي وَأَمَتِي بَلْ يَقُولُ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي أَوْ فَتَاتِي وَفَتَايَ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي إضَافَةِ رَبٍّ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَرَبِّ الدَّارِ وَرَبِّ الْغَنَمِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْفَاسِقِ أَوْ لِلْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ يَا سَيِّدِي
(وَعَلَيْهِ) أَيْ مَالِكِ دَوَابَّ لَمْ يُرِدْ بَيْعَهَا وَلَا ذَبْحَ مَا يَحِلُّ مِنْهَا (عَلْفُ) بِالسُّكُونِ كَمَا بِخَطِّهِ وَهُوَ الْفِعْلُ وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ الْمَعْلُوفُ إنْ لَمْ تَأْلَفْ السَّوْمَ (دَوَابِّهِ) الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ وَصَلَتْ إلَى حَدِّ الزَّمَانَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ (وَسَقْيُهَا) وَيَقُومُ مَقَامَهُمَا تَخْلِيَتُهَا لِتَرْعَى وَتَرِدَ الْمَاءَ إنْ أَلِفَتْ ذَلِكَ وَاكْتَفَتْ بِهِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ هَوَامِّهَا، وَالْوَاجِبُ عَلْفُهَا وَسَقْيُهَا حَتَّى تَصِلَ لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرَّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا، وَيَجُوزُ غَصْبُ الْعَلْفِ لَهَا وَغَصْبُ الْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لِكَوْنِهِ لَا مِلْكَ لَهُ أَوْ لَا لِالْتِزَامِهِ جَعْلَهُ لِلْعَبْدِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ الَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَالزِّيَادَةُ بِرٌّ وَتَوْسِيعٌ، ثُمَّ رَأَيْت الْعِرَاقِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَالَ حَجّ: وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا كَالْحُرِّ
(قَوْلُهُ: مَصْلَحَةً) أَيْ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً
(قَوْلُهُ: نَظِيرَ مَا مَرَّ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ خَارَجَهُ اكْتَسَبَ ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْ اكْتِسَابُهُ إيَّاهُ، وَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ يَجُوزُ اعْتِبَارُهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ بَيْعُهُ بَلْ قَدْ تَكُونُ أَصْلَحَ مِنْ بَيْعِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: عَلْفُ) لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَلْفُهَا فَخَلَّاهَا لِلرَّعْيِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَسْيِيبِ السَّوَائِبِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ هَذَا لِضَرُورَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ مَلَكَ حَيَوَانًا بِاصْطِيَادٍ وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ أَوْلَادًا يَتَضَرَّرُونَ بِفَقْدِهِ، فَالْوَجْهُ جَوَازُ تَخْلِيَتِهِ لِيَذْهَبَ لِأَوْلَادِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّسْيِيبِ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ لَهُ.
نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ خَلَّاهَا لِلرَّعْيِ، وَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ بِنَفْسِهَا، لَكِنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْبَعَهَا فِي الْمَرَاعِي وَيَرْجِعَ بِهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُتَّجَهُ الْوُجُوبُ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ دُونَ مَا إذَا كَانَ مَشَقَّةً فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا) وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ: قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْخِشَاشُ بِالْكَسْرِ: الْحَشَرَاتُ وَقَدْ تُفْتَحُ
(قَوْلُهُ: حَتَّى تَصِلَ لِأَوَّلِ الشِّبَعِ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِلشَّارِحِ مَا نَصُّهُ:
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ) أَيْ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ عَبْدِي وَأَمَتِي) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعَبْدِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى وَالْأَمَةُ فِي الْأُنْثَى بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فِي الذَّكَرِ (قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ) أَمَّا الْمُكَلَّفُ: يَعْنِي: مَنْ شَأْنُهُ التَّكْلِيفُ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَيُكْرَهُ إضَافَةُ رَبٍّ إلَيْهِ
(قَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ بَيْعَهَا إلَخْ.) يَعْنِي: أَمَّا إذَا أُرِيدَ ذَلِكَ حَالًا بِأَنْ كَانَ شَارِعًا فِي الْبَيْعِ فِي الْأُولَى وَمُتَعَاطِيًا لِأَسْبَابِ الذَّبْحِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَلَفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالذَّبْحُ حَتَّى يَعْلِفَ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ) هَذَا لَا يَتِمُّ بِهِ الدَّلِيلُ إلَّا إنْ كَانَتْ الْهِرَّةُ مَمْلُوكَةً لِلْمَرْأَةِ أَوْ مُخْتَصَّةً بِهَا (قَوْلُهُ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ اسْتَوْجَبَتْ النَّارَ أَوْ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِي عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَجِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ غَصْبُ الْعَلَفِ وَغَصْبُ الْخَيْطِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَمَا يَجُوزُ سَقْيُهَا الْمَاءَ إلَخْ.