للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ لَا ضَرَرَ، لَكِنْ أَفْتَى الْحَنَّاطِيُّ بِأَنَّهُ يُسَنُّ عَدَمُهَا إلَّا لِحَاجَةٍ (وَلَا يُكَلِّفُ رَقِيقَهُ) عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ (إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ) عَلَى الدَّوَامِ فَيَجُوزُ لَهُ تَكْلِيفُهُ إيَّاهُ وَيَتْبَعُ فِي تَكْلِيفِهِ مَا يُطِيقُهُ الْعَادَةَ كَإِرَاحَتِهِ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَإِرَاحَتِهِ مِنْ الْعَمَلِ إمَّا فِي اللَّيْلِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا أَوْ فِي النَّهَارِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا، وَإِنْ اعْتَادُوا خِدْمَةَ الْأَرِقَّاءِ نَهَارًا مَعَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ لَا يُطِيقُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَارِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ كَلَّفَ رَقِيقَهُ مَا لَا يُطِيقُهُ أَوْ حَمَلَ أَمَتَهُ عَلَى الْفَسَادِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا فِي خَلَاصِهِ كَمَا قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَيَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ بَذْلُ جَهْدِهِ فِي الْعَمَلِ، وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِيهِ.

(وَتَجُوزُ) (مُخَارَجَتُهُ) أَيْ الْقِنِّ (بِشَرْطِ رِضَاهُمَا) فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّرَاضِي كَغَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهَا عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَنَّ صَرِيحَهَا خَارَجْتُك وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ وَأَنَّ كِنَايَتَهَا بَاذَلْتُك عَلَى كَسْبِك بِكَذَا وَنَحْوِهِ (وَهِيَ خَرَاجٌ) مَعْلُومٌ (يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ) أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مِمَّا يَكْسِبُهُ حَسْبَمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ صَاعَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ خَرَاجَهُ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ كَانَ لِلزُّبَيْرِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ شَيْئًا بَلْ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَلَغَتْ تَرِكَتُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ مُبَاحٌ دَائِمٌ يَفِي بِالْخَرَاجِ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ إنْ جَعَلَهُمَا فِيهِ، فَإِنْ زَادَ كَسْبُهُ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ بِرٌّ وَتَوْسِيعٌ مِنْ سَيِّدِهِ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ خَارَجَهُ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَلَا فِطَامٍ: أَيْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُمَا

(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا ضَرَرَ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُوهِمُهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يُسَنُّ عَدَمُهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ

(قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَضُرُّ بِأَنْ يُخْشَى مِنْهُ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ الضَّبْطُ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَحْذُورُ اهـ حَجّ.

وَلَعَلَّ الِاحْتِمَالَ أَقْرَبُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ رَغِبَ الْعَبْدُ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ يَجُرُّ إلَى إتْلَافِهِ أَوْ مَرَضِهِ الشَّدِيدِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْوِيتُ مَالِيَّةٍ عَلَى السَّيِّدِ بِتَمْكِينِهِ فَيُنْسَبُ إلَيْهِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ

(قَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَ أَمَتَهُ عَلَى الْفَسَادِ) أَيْ فَلَوْ تَنَازَعَا فِي ذَلِكَ صُدِّقَ السَّيِّدُ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) كَالْكِتَابَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: حَسْبَمَا يَتَّفِقَانِ) وَقَعَ مِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَّلَ إلَيْهِمْ حَسْبَمَا عَنَّ لَهُمْ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ خُسْرو مَا نَصُّهُ: فِي قَوْلِهِ حَسْبَمَا: أَيْ قَدْرَ مَا مُتَعَلِّقٌ بِبَيَّنَ وَنَزَّلَ يُقَالُ لِيَكُونَ عَمَلُك بِحَسَبِ ذَلِكَ: أَيْ بِقَدْرِهِ وَقَدْ تُسَكَّنُ السِّينُ فِي الضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ فِي السَّيِّدِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ بِفَتْحِ السِّينِ وَأَنَّ السُّكُونَ ضَرُورَةٌ

(قَوْلُهُ: وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ) أَيْ لَمَّا حَجَمَهُ اهـ حَجّ

(قَوْلُهُ: وَمِائَتَيْ أَلْفٍ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةِ

(قَوْلُهُ: وَتَوْسِيعٌ مِنْ سَيِّدِهِ) أَيْ فَلَوْ أَرَادَ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ مِنْهُ هَلْ يَجُوزُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَيَتْبَعُ فِي تَكْلِيفِهِ مَا يُطِيقُهُ الْعَادَةَ إلَخْ.) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَيَتْبَعُ الْعَادَةَ فِي الْقَيْلُولَةِ وَالْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَيُرِيحُهُ مِنْ الْعَمَلِ إمَّا اللَّيْلَ أَوْ النَّهَارَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ صَرِيحَهَا خَارَجْتُك إلَخْ.) اُنْظُرْ وَجْهَ أَخْذِ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَهِيَ خَرَاجٌ إلَخْ.) فِيهِ اسْتِخْدَامٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا مَرَّ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: بِرٌّ وَتَوْسِيعٌ) أَيْ، فَيَجُوزُ لِلرَّقِيقِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِلسَّيِّدِ مَنْعَهُ مِنْهُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>