للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ أَمْرٌ نَادِرٌ وَمِنْ حَيِّزِ الْكَرَامَةِ، عَلَى أَنَّ التَّدْرِيجَ فِي التَّقْلِيلِ يُؤَدِّي لِصَبْرٍ نَحْوِ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَيُتَّجَهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ التَّقْلِيلَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِمَا مِنْ شَأْنِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، وَلَا يُنَافِيهِ اعْتِبَارُ نَحْوِ نِضْوٍ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِضْوٍ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كُلُّ مُعْتَادٍ لِلتَّقْلِيلِ يَصْبِرُ عَلَى جُوعِ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَعَمْدٌ) إحَالَةً لِلْهَلَاكِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَخَرَجَ بِحَبْسِهِ مَا لَوْ أَخَذَ بِمَفَازَةٍ قُوتَهُ أَوْ لُبْسَهُ أَوْ مَاءَهُ وَإِنْ عَلِمَ هَلَاكَهُ بِهِ وَبِمَنْعِهِ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَنَاوُلِ مَا عِنْدَهُ وَعَلِمَ بِهِ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا أَوْ مِنْ طَعَامٍ خَوْفَ عَطَشٍ أَوْ مِنْ طَلَبِ ذَلِكَ: أَيْ وَقَدْ جَوَّزَ إجَابَتَهُ لِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا قَوَدَ بَلْ وَلَا ضَمَانَ حَيْثُ كَانَ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا فِي الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ فِي الْبَقِيَّةِ.

قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ بِلَا مُخَاطَرَةٍ فَتَرَكَهُ، أَمَّا الرَّقِيقُ فَيَضْمَنُهُ بِالْيَدِ، وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ قَوْلِهِمْ: لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَيْتًا هُوَ جَالِسٌ فِيهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي أَخْذِ الطَّعَامِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَبْسِ بَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَقَوْلُهُ هَذَا فِي مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ لِطُولِهَا أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَمْضِ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَمَاتَ وَهُوَ بِالْجُوعِ مَثَلًا لَا بِنَحْوِ هَدْمٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ) أَيْ أَوْ عَطَشٌ (سَابِقٌ) عَلَى حَبْسِهِ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ عَادَةً إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا فَإِيهَامُ عُمُومٍ، وَإِلَّا هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ (وَإِنْ كَانَ) بِهِ (بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا مَرَّ سَابِقًا (وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ) لِشُمُولِ حَدِّهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَا الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ هُنَا انْتَهَى.

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِهَا الْفَلَكِيَّةُ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا

(قَوْلُهُ: ابْنِ الزُّبَيْرِ) وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ

(قَوْلُهُ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ نِضْوٍ كَذَلِكَ) أَيْ يَتَأَثَّرُ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ

(قَوْلُهُ: فَعَمْدٌ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ مَنَعَهُ الْبَوْلَ فَمَاتَ هَلْ يَكُونُ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ أَوْ لَا كَمَا لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ بِمَفَازَةٍ فَمَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا؟ أَقُولُ: الظَّاهِرُ فِي هَذِهِ التَّفْصِيلُ كَأَنْ يُقَالَ: إنْ رَبَطَ ذَكَرَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْبَوْلُ وَمَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا فَهُوَ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ وَالطَّلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَرْبِطْهُ بَلْ مَنَعَهُ بِالتَّهْدِيدِ مَثَلًا كَأَنْ رَاقَبَهُ وَقَالَ: إنْ بُلْت قَتَلْتُك فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ فِي مَفَازَةٍ فَمَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْعَمْدِ أَيْضًا مَا لَوْ أَخَذَ مِنْ الْعَوَامّ جِرَابَهُ مَثَلًا مِمَّا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي الْعَوْمِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِأَنْ يَعْرِفَ الْعَوْمَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ طَالَتْ الْمَفَازَةُ، وَكَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي هَذِهِ: الْمُتَّجَهُ الضَّمَانُ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ وَقَوْلُهُ هَذَا فِي مَفَازَةٍ إلَخْ

(قَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَنَاوُلِ مَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ) أَيْ لَا ضَمَانَ

(قَوْلُهُ: أَمَّا الرَّقِيقُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ حُرًّا

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ

(قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) لَكِنْ قَدْ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مَا أَفْهَمَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا وَالطَّلَبُ لِذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الطَّلَبِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: بَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ) أَيْ فَيَضْمَنُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ مَرْدُودٌ) أَيْ فَلَا قَوَدَ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ عَلَى أَهْلِ قَلْعَةٍ مَاءٌ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالشُّرْبِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ فَمَاتُوا عَطَشًا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُمْ بِسَبِيلٍ مِنْ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِمَشَقَّةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ الْمَانِعِ لِلْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمَوْتُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كُلٌّ مُعْتَادٌ لِلتَّقْلِيلِ إلَخْ.) قَالَ الشِّهَابُ سم: الْجُوعُ الْمُعْتَادُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ قَوْلِهِمْ إلَخْ.) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ السَّابِقِ إلَخْ.) اُنْظُرْ مَا وَجْهُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>