شَهَادَتِنَا لِوُجُودِ أَمْرٍ فِينَا يَقْتَضِي رَدَّهَا، وَالْحَاكِمُ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارِنَا فَتَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي مَالِهِمْ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُمْ الْعَاقِلَةُ (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ) عِنْدَ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بِكَذِبِهِمَا) فِي شَهَادَتِهِمَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا، بَلْ هُوَ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لِانْقِطَاعِ تَسَبُّبِهِمَا.
وَإِلْجَائِهِمَا بِعِلْمِهِ فَصَارَا شَرْطًا كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ، وَاعْتِرَافُهُ بِعِلْمِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ لَا أَثَرَ لَهُ فَيُقْتَلَانِ، وَاعْتِرَافُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا حِينَ الْحُكْمِ أَوْ الْقَتْلِ مُوجِبٌ لِقَتْلِهِ أَيْضًا رَجَعَا أَمْ لَا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَعْتَرِفْ وَارِثُ الْقَاتِلِ بِأَنَّ قَتْلَهُ حَقٌّ، وَلَوْ رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ فَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ وَخَرَجَ بِالشَّاهِدِ الرَّاوِي كَمَا لَوْ أَشْكَلَتْ قَضِيَّةٌ عَلَى حَاكِمٍ، فَرَوَى لَهُ فِيهَا خَبَرًا فَقَتَلَ بِهِ الْحَاكِمُ آخَرَ ثُمَّ رَجَعَ الرَّاوِي وَقَالَ تَعَمَّدْت الْكَذِبَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، وَقِيَاسُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا لَوْ اسْتَفْتَى الْقَاضِي شَخْصًا فَأَفْتَاهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ رَجَعَ
(وَلَوْ) (ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ) يَعْلَمُ كَوْنَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا (صَبِيًّا) غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ (أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ أَعْجَمِيًّا يَرَى طَاعَةَ أَمْرِهِ فَأَكَلَهُ (فَمَاتَ) مِنْهُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ هُوَ مَسْمُومٌ أَمْ لَا، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مَسْمُومٌ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمُضَيِّفُ لِوَلِيِّهِمَا عِنْدَ مُطَالَبَتِهِ لِلْقِصَاصِ هُوَ مَسْمُومٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ قَوْلِهِ هُوَ مَسْمُومٌ بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّ جَمْعًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ قَرَّرُوا أَنَّ الْغَايَةَ تَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى نَقِيضِ مَا بَعْدَهَا، فَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ قَالَ هُوَ مَسْمُومٌ أَمْ لَمْ يَقُلْ، أَمَّا الْمُمَيِّزُ فَكَالْبَالِغِ وَكَذَا مَجْنُونٌ لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ (أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ) فَأَكَلَهُ فَمَاتَ (فَدِيَةٌ) شِبْهِ الْعَمْدِ لِتَنَاوُلِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَغْرِيرُهُ (وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ) لِتَغْرِيرِهِ كَالْإِكْرَاهِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ فِي الْإِكْرَاهِ إلْجَاءً دُونَ هَذَا، وَلَا دَلِيلَ فِي قَتْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: فِي مَالِهِمْ) أَيْ الشُّهُودِ
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تُصْدِقْهُمْ) أَيْ فَإِنْ صَدَقَتْهُمْ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ
(قَوْلُهُ: وَاعْتِرَافُهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَتْلِ) صِلَةُ عِلْمِهِ، وَالْمُرَادُ الْقَتْلُ لِلْجَانِي
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْتَرِفْ وَارِثُ الْقَاتِلِ) أَيْ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلْنَاهُ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ
(قَوْلُهُ: فَلَا قِصَاصَ) أَيْ وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلرِّوَايَةِ، وَكَذَا الْقَاضِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ أَهْلًا لِلْأَخْذِ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا، وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ إلَخْ) أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: فَأَفْتَاهُ بِالْقَتْلِ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت الْكَذِبَ وَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِإِفْتَائِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ الْمُفْتِي
(قَوْلُهُ: أَوْ مَجْنُونًا) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الضَّيْفَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ يَأْكُلُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ وَهُوَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ حَالَةِ الْأَكْلِ وَعَدَمِهَا فَكَانَ التَّقْدِيمُ لَهُ إلْجَاءً عَادِيًّا
(قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْغَايَةِ جَعْلَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا قَبْلَهَا بَلْ الْمُرَادُ بِهَا مُجَرَّدُ التَّعْمِيمِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَرْفَعُ السُّؤَالَ فَإِنَّ مَنْ جَعَلَهُ غَايَةً قَدَّرَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ كَوْنَ الْغَايَةِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ وَهُوَ مَحَلُّ الْمُنَاقَشَةِ
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَغْرِيرُهُ) أَيْ لَمْ يُؤَثِّرْ إهْلَاكُهُ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ فَاكْتُفِيَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِعِلْمِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِانْقِطَاعٍ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْقَتْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمِهِ
(قَوْلُهُ: مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَقِيضِ مَا بَعْدَهَا) أَيْ وَاَلَّذِي بَعْدَهَا لَمْ يَقُلْ هُوَ مَسْمُومٌ فَنَقِيضُهُ قَالَ هُوَ مَسْمُومٌ فَصَارَ التَّقْدِيرُ قَالَ هُوَ مَسْمُومٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مَسْمُومٌ وَهُوَ مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ سَوَاءٌ أَقَالَ إلَخْ. وَغَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ فِي الْغَايَةِ أَنْ يَقُولَ، وَإِنْ قَالَ هُوَ مَسْمُومٌ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ: أَيْ فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُفِيدُ فِي دَفْعِ الْقِصَاصِ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إفَادَتَهُ فِي الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْآتِي