مَا سَالَ مِنْ دَمِهِ دَمُ مَيِّتٍ، وَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لَا خَمْسُونَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْحَيَاةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِذَا حَلَفَ وَجَبْت الدِّيَةُ لَا الْقَوَدُ لِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ وَإِنَّمَا صُدِّقَ الْوَلِيُّ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ بَقَاءِ الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ ادِّعَاءَ رِدَّةِ مُسْلِمٍ قَبْلَ قَتْلِهِ وَبِهِ يُضَعَّفُ انْتِصَارُ جَمْعٍ لِمُقَابِلِهِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلْفُوفًا عَلَى هَيْئَةِ التَّكْفِينِ أَوْ فِي ثِيَابِ الْأَحْيَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ.
نَعَمْ يَظْهَرُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَفْهَمَهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ حَيْثُ عُهِدَتْ لَهُ حَيَاةٌ، وَإِلَّا كَسَقْطٍ لَمْ تُعْهَدْ لَهُ صُدِّقَ الْجَانِي، وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَيَاتِهِ، وَلَهُمْ الْجَزْمُ بِهَا حَالَةَ الْقَدِّ إذَا رَأَوْهُ يَتَلَفَّفُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ رَأَيْنَاهُ يَتَلَفَّفُ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بَعِيدٌ وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ مُطَابَقَتُهَا لِلْمُدَّعِي
(وَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَمُرَادُهُ أَزَالَ جِرْمًا أَوْ مَعْنًى (وَزَعَمَ نَقْصَهُ) كَشَلَلٍ، وَالْمَقْطُوعُ تَمَامُهُ (فَالْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ) أَيْ الْجَانِي (إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ) كَيَدٍ وَلِسَانٍ لِسُهُولَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِسَلَامَتِهِ، وَيَكْفِي قَوْلُهَا كَانَ سَلِيمًا، وَإِنْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَا تَكْفِي الشَّهَادَةُ بِنَحْوِ مِلْكٍ سَابِقٍ كَ كَانَ مِلْكَهُ أَمْسِ إلَّا أَنْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَا أَنَّهُ أَنْكَرَ السَّلَامَةَ مِنْ أَصْلِهَا، فَقَوْلُهُمَا كَانَ سَلِيمًا مُبْطِلٌ لِإِنْكَارِهِ صَرِيحًا وَلَا كَذَلِكَ ثَمَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى سَلَامَتِهِ وَادَّعَى الْجَانِي حُدُوثَ نَقْصِهِ أَوْ كَانَ إنْكَارًا أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ بَاطِنٍ وَهُوَ مَا يُعْتَادُ سَتْرُهُ مُرُوءَةً وَقِيلَ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ (فَلَا) يُصَدَّقُ الْجَانِي بَلْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُدُوثِ النَّقْصِ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الْبَاطِنِ وَيَجِبُ الْقَوَدُ هُنَا، إذْ الِاخْتِلَافُ لَمْ يَصْدُرْ فِي الْمُهْدَرِ فَلَا شُبْهَةَ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الْقَوَدِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْأَصْحَابِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْيَمِينِ وَأَنْ لَا قِصَاصَ اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ مُهْدَرًا
(قَوْلُهُ: وَجَبَتْ الدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ عَمْدٍ (قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ ادِّعَاءَ إلَخْ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ سَرَقَ مَالًا وَادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ
(قَوْلُهُ: وَبِهِ يُضَعَّفُ) أَيْ بِقَوْلِهِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ بَقَاءِ الْحَيَاةِ
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ
(قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ) بَيَانٌ لِبَحْثِ الْبُلْقِينِيِّ، وَقَوْلُهُ مَا ذُكِرَ: أَيْ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ
(قَوْلُهُ: صُدِّقَ الْجَانِي) أَيْ بِيَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَيَاتِهِ) وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ، أَوْ الدِّيَةُ وَيُجْعَلُ إنْكَارُهُ الْحَيَاةَ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ الْوَلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ لُزُومَ الْقَوَدِ أَقْرَبُ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالدَّرْسِ عَنْ الْأَنْوَارِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ) قَالَ فِي الْعُبَابِ وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ فَيَتَسَاقَطَانِ، وَيَبْقَى الْحَالُ كَمَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَازِمٌ بَعِيدٌ) أَيْ رُؤْيَةُ التَّلَفُّفِ تَسْتَلْزِمُ الْحَيَاةَ بِلَا وَاسِطَةٍ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي قَوْلُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ الْجَانِي (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْقَوَدُ) ضَعِيفٌ
(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا قِصَاصَ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي دِيَةُ عَمْدٍ لِلْعُضْوِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
إنَّمَا هُوَ فِي الْحَيَاةِ وَعَدَمِهَا لَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ التَّعَرُّضُ فِي حَلِفِ لِمَا لَمْ يُنَازَعْ فِيهِ (قَوْلُهُ:، فَأَشْبَهَ) يَعْنِي: هَذَا الْحُكْمَ (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَيَاتِهِ) أَيْ وَتَكُونُ مُغْنِيَةً عَنْ حَلِفِ الْوَلِيُّ وَذَكَرَ هَذَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا (قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ إلَخْ.) الْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ
(قَوْلُهُ: هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الْغَالِبِ هُنَا.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغَالِبَ قَطْعُ الْأَطْرَافِ لَا إزَالَةُ الْمَعْنَى وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُبَدَّلَ هَذَا بِقَوْلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: لِإِنْكَارِهَا) أَيْ السَّلَامَةِ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، وَفِي نُسَخٍ لِإِنْكَارِهِ