للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا هُنَا عَلَى وُقُوعِ رَفْعِ الْحَاجِزِ الصَّالِحِ لِرَفْعِ الْأَرْشَيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ فَنَظَرُوا لِلظَّاهِرِ فِيهِ وَصَدَّقُوا الْجَانِيَ عِنْدَ قِصَرِ زَمَنِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَالظَّاهِرِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَأَمَّا ثَمَّ فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وُقُوعِ شَيْءٍ بَلْ تَنَازَعَا فِي وُقُوعِ السِّرَايَةِ وَفِي وُقُوعِ الِانْدِمَالِ فَنَظَرُوا لِقُوَّةِ جَانِبِ الْوَلِيِّ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ مُوجِبِ الدِّيَتَيْنِ وَعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ صَلَاحِيَةِ الْمَوْتِ لِرَفْعِهِ، لَا يُقَالُ: قَدْ اتَّفَقَا ثَمَّ عَلَى وُقُوعِ الْمَوْتِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلرَّفْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: زَعْمُ صَلَاحِيَةِ الْمَوْتِ لِرَفْعِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا الصَّالِحُ لِلسِّرَايَةِ مِنْ الْجُرْحِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْهَا الْمَوْتُ وَهُنَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وُقُوعِهِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَانِيَ هُنَا هُوَ الَّذِي قَوِيَ جَانِبُهُ، وَالْوَلِيُّ ثَمَّ هُوَ الَّذِي قَوِيَ جَانِبُهُ فَأَعْطَوْا كُلًّا حُكْمَهُ، وَاسْتِشْكَالُ لُزُومِ الْيَمِينِ هُنَا بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ فَالْمُنَاسِبُ تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ، وَوُجُوبُ أَرْشٍ ثَالِثٍ قَطْعًا يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ الْإِمْكَانُ الْقَرِيبُ عَادَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الْمَارِّ لِقِصَرِ الزَّمَنِ وَطُولِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوضِحَةَ قَدْ يَتَّفِقُ خَتْمُهَا ظَاهِرًا وَتَبْقَى نِكَايَتُهَا بَاطِنًا لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مَعَ قِصَرِ الزَّمَنِ وَبَعِيدٌ مَعَ طُولِهِ فَوَجَبَتْ الْيَمِينُ لِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فِي انْدِمَالٍ أَحَالَتْهُ الْعَادَةُ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِمْ بِادِّعَاءِ وُقُوعِهِ فِي قَطْعِ يَدَيْنِ أَوْ رِجْلَيْنِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَهَذَا مُحَالٌ عَادَةً فَلَمْ يَجِبْ يَمِينٌ.

وَأَمَّا فَرْضُ مَا نَحْنُ فِيهِ فَهُوَ فِي مُوضِحَتَيْنِ صَدَرَتَا مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَ نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَقَعَ مِنْهُ رَفْعُ الْحَاجِزِ فَبَقَاؤُهُمَا بِلَا انْدِمَالٍ ذَلِكَ الزَّمَنَ بَعِيدٌ عَادَةً وَلَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ فَاحْتِيجَ لِيَمِينِ الْجَرِيحِ حِينَئِذٍ لِإِمْكَانِ عَدَمِ الِانْدِمَالِ، وَإِنْ بَعُدَ (وَثَبَتَ) لَهُ (أَرْشَانِ) لَا ثَلَاثَةٌ، بِاعْتِبَارِ الْمُوضِحَتَيْنِ وَرَفْعِ الْحَاجِزِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ الثَّابِتِ بِحَلِفِهِ، لِأَنَّ حَلِفَهُ دَافِعٌ لِلنَّقْصِ عَنْ أَرْشَيْنِ فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي قِدَمِ عَيْبٍ وَحَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى حُدُوثِهِ ثُمَّ وَقَعَ الْفَسْخُ فَأَرَادَ أَرْشَ مَا ثَبَتَ بِيَمِينِهِ حُدُوثُهُ لَا يُجَابُ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ صَالِحٌ لِلدَّفْعِ عَنْهُ فَلَا يَصْلُحُ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي (قِيلَ: وَثَالِثٌ) عَمَلًا بِقَضِيَّةِ يَمِينِهِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ عَدَمِ احْتِيَاجِ الْجَانِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَى يَمِينٍ غَيْرُ مُرَادٍ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَحِينَئِذٍ فَحَلِفُهُ أَفَادَ سُقُوطَ الثَّالِثِ وَحَلِفُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ لَا تُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ بِمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ بِقِصَرِ الزَّمَنِ وَنَظِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ تَصْدِيقُ الْجَانِي أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ.

أَقُولُ: وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا هُنَا فِي الْإِمْكَانِ بَيْنَ الْقَرِيبِ فَصَدَّقُوا مَعَهُ الْجَانِيَ وَبَيْنَ الْبَعِيدِ فَصَدَّقُوا مَعَهُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَلِيِّ ثَمَّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا هُنَاكَ فِي الْإِمْكَانِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ بَلْ قَالُوا حَيْثُ أَمْكَنَ يُصَدَّقُ الْوَلِيُّ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا هُنَا عَلَى وُقُوعِ رَفْعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى وُقُوعِ مُوجِبٍ) وَهُوَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ

(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ) تَوْجِيهٌ لِقَوْلِهِ ثَلَاثَةٌ الْمَنْفِيِّ

(قَوْلُهُ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ) حَيْثُ قَالَ فِي جَانِبِ الْجَانِي صُدِّقَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

حَاصِلَ هَذَا الْإِيرَادِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ الْجَرِيحَ هُنَا الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ فِيمَا مَرَّ هُوَ الَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ الْجَانِي فِيمَا مَرَّ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ الْجَرِيحَ هُنَا وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ الِانْدِمَالُ هُوَ الَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ الْوَلِيَّ هُنَاكَ وَاَلَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ الْجَانِيَ هُنَا وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ هُوَ الَّذِي صَدَّقْنَا فِيهِ هُنَا فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدَّمَ هُنَاكَ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْوَلِيُّ وَقَدَّمَ هُنَا مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْجَانِي مِنْ الذِّكْرِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِاتِّفَاقِهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِقُوَّةٍ (قَوْلُهُ: وَاسْتِشْكَالُ لُزُومِ الْيَمِينِ هُنَا) يَعْنِي: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا حَلَفَ الْجَرِيحُ (قَوْلُهُ: فَالْمُنَاسِبُ تَصْدِيقُهُ) يَعْنِي: الْجَرِيحَ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ يُصَدَّقُ) يَعْنِي: الْجَانِيَ الْمُدَّعِيَ لِلِانْدِمَالِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>