للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعَدَمِ تَجَزِّي الْقَوَدِ، وَلِذَا لَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْجَانِي سَقَطَ عَنْ كُلِّهِ، كَمَا أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِرَبْطِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَعْضَاءِ يَقَعُ الْعَفْوُ بِرَبْطِهِ بِهِ وَمَا لَا فَلَا، وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ لَهُ الْجَانِي خُذْ الدِّيَةَ عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ فَأَخَذَهَا وَلَوْ سَاكِتًا سَقَطَ الْقَوَدُ وَجُعِلَ الْأَخْذُ عَفْوًا كَمَا مَرَّ يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا (وَعَلَى الْأَوَّلِ) الْأَظْهَرِ (لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ) عَنْ الْقَوَدِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ، وَلَا اخْتَارَهَا بَعْدَهُ فَوْرًا (فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْهَا، وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ ثَابِتٍ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فَاتِّبَاعٌ أَيْ لِلْمَالِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَفْوِ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَارَهَا بَعْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَتْ تَنْزِيلًا لِاخْتِيَارِهَا عَقِبَهُ مَنْزِلَتَهُ عَلَيْهَا بِقَرِينَةِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا، وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْفَوْرِيَّةِ هُنَا بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَطْلَقَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ وَوَجَبَ حِصَّةُ الْبَاقِينَ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوهَا؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ حَصَلَ قَهْرًا كَقَتْلِ الْأَصْلِ فَرْعَهُ، وَلَوْ تَعَذَّرَ ثُبُوتُ الْمَالِ كَقَتْلِ أَحَدِ قِنَّيْهِ الْآخَرَ فَعَفَا عَنْ الْقَوَدِ أَوْ عَنْ حَقِّهِ أَوْ مُوجَبِ جِنَايَتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ جَزْمًا، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ تَجِبُ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ.

وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ الْبَدَلِيَّةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا (لَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَغَا) ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا فَهُوَ فِيهَا لَغْوٌ كَالْمَعْدُومِ (وَلَهُ الْعَفْوُ) عَنْ الْقَوَدِ (بَعْدَهُ) وَإِنْ تَرَاخَى (عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالْعَفْوِ؛ إذْ اللَّاغِي عُدِمَ، وَلَوْ اخْتَارَ الْقَوَدَ ثُمَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ مُطْلَقًا (وَلَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ ثَبَتَ) ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ (إنْ قَبِلَ الْجَانِي) ذَلِكَ وَسَقَطَ الْقَوَدُ (وَإِلَّا فَلَا) يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ وَاعْتُبِرَ رِضَاهُمَا (وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا تَقَرَّرَ وَلَيْسَ كَالصُّلْحِ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ قَبِلَ وَالْتَزَمَ. وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ

(وَلَيْسَ لِمَحْجُورِ فَلِسٍ) وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَوَارِثُ الْمَدْيُونِ (عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَالِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ (فَإِنْ عَفَا) عَنْهُ (عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ) كَغَيْرِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْعَفْوَ (فَكَمَا سَبَقَ) مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَجَزِّي الْقَوَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ: أَيْ وَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ الْأَعْضَاءِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْأَعْضَاءِ كَالْقَلْبِ (قَوْلُهُ: وَجُعِلَ الْأَخْذُ عَفْوًا) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ عَفْوًا مَا نَصُّهُ: أَنَّهُ يَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ هُنَا اهـ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا) أَيْ فَلَوْ قَالَ الْجَانِي لِلْمُسْتَحِقِّ: خُذْ الدِّيَةَ بَدَلَ الْقَوَدِ فَأَخَذَهَا وَلَوْ سَاكِتًا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ لِرِضَاهُ بِبَدَلِهِ (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ ثَابِتٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِعَفْوِهِ

(قَوْلُهُ: بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ وَلَا سُكُوتٌ طَوِيلٌ اهـ حَجّ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَطْلَقَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ مَالًا وَلَا اخْتَارَهُ عَقِبَهُ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ) أَيْ لِلْجَانِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْعِتْقِ

(قَوْلُهُ: وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقَوَدِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ

(قَوْلُهُ: إذْ اللَّاغِي عَدَمٌ) أَيْ الشَّيْءُ اللَّاغِي عَدَمٌ: أَيْ كَالْعَدَمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ابْتِدَاءً سِوَى الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ

(قَوْلُهُ: وَجَبَتْ مُطْلَقًا) أَيْ عَقِبَ اخْتِيَارِهِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ عَفَوْت وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لِعَدَمِ إلَخْ. إنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ لِهَذَا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ الْأَعْضَاءِ) أَيْ كَالْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) اُنْظُرْ أَيْنَ مَرَّ وَانْظُرْ أَيْضًا مَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا) فِي جَعْلِ هَذَا خَبَرًا عَنْ قِيَاسٍ مُسَامَحَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْفَوْرِيَّةِ هُنَا بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ) أَيْ مِمَّا لَا يَقْطَعُ الْقَبُولَ عَنْ الْإِيجَابِ لَا مَا لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ فِيمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ عَفَا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا عَنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ كَمَا نَقَلَهُ الدَّمِيرِيِّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ (قَوْلُهُ: الْقَوَدُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ ذَلِكَ إنْقَاذًا لِرُوحِهِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَنْ الْمُتَوَلِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>