للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ) إذْ الْقَتْلُ لَمْ يُوجِبْ مَالًا، وَالْمُفْلِسُ لَا يُكَلَّفُ الِاكْتِسَابَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَصَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَزِمَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ لِتَكْلِيفِهِ حِينَئِذٍ الِاكْتِسَابَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ عَفْوُهُ عَلَى أَنَّ لَا مَالَ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْعَفْوِ لِتَفْوِيتِهِ مَا لَيْسَ حَاصِلًا، وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْعَفْوِ يُوجِبُهَا فَلَيْسَ لَهُ تَفْوِيتُهَا وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ

(وَالْمُبَذِّرُ) بِالْمُعْجَمَةِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ (فِي) الْعَفْوِ مُطْلَقًا أَوْ عَنْ (الدِّيَةِ) أَوْ عَلَيْهَا (كَمُفْلِسٍ) فِي تَفْصِيلِهِ الْمَذْكُورِ (وَقِيلَ كَصَبِيٍّ) فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ بِحَالٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي الدِّيَةِ الْقَوَدُ فَهُوَ فِيهِ كَالرَّشِيدِ فَلَا يُجْرَى فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ

(وَلَوْ) (تَصَالَحَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى) أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهَا نَحْوُ (مِائَتَيْ بَعِيرٍ) مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ وَصِفَتِهِ (لَغَا) الصُّلْحُ (إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ فَهُوَ كَالصُّلْحِ مِنْ مِائَةٍ عَلَى مِائَتَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) وَيَثْبُتُ الْمَالُ، وَكَذَا لَوْ عَفَا مِنْ غَيْرِ تَصَالُحٍ عَلَى ذَلِكَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي وَإِلَّا فَلَا، وَيَبْقَى الْقَوَدُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ اعْتِيَاضٌ فَتَوَقَّفَ عَلَى رِضَاهُمَا، أَمَّا غَيْرُ الْجِنْسِ الْوَاجِبِ فَقَدْ مَرَّ.

وَالثَّانِي يَقُولُ الدِّيَةُ خَلَفُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا

(وَلَوْ) (قَالَ) حُرٌّ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ (رَشِيدٌ) أَوْ سَفِيهٌ لِآخَرَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرَّشِيدِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ قَطَعَ فَعَفَا؛ إذْ عَفْوُ غَيْرِ الرَّشِيدِ لَاغٍ (اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ) لَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ كَمَا لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي أَوْ أَتْلِفْ مَالِي، نَعَمْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِذْنُ الْقِنِّ يُسْقِطُ الْقَوَدَ دُونَ الْمَالِ، وَإِذْنُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكْرَهِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا (فَإِنْ سَرَى) الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ (أَوْ قَالَ) ابْتِدَاءً (اُقْتُلْنِي) فَقَتَلَهُ (فَهَدَرٌ) كَمَا ذَكَرَ لِلْإِذْنِ، وَلِأَنَّ الْأَصَحَّ ثُبُوتُ الدِّيَةِ لِلْمُوَرَّثِ ابْتِدَاءً: أَيْ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْقَوَدِ الْمُبْدَلِ عَنْ نَفْسِهِ، نَعَمْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَيُعَزَّرُ (وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ) بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهَا تَجِبُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً (وَلَوْ قُطِعَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ عُضْوُهُ وَضَبَطَهُ بِفَتْحِهِ أَيْضًا (فَعَفَا) أَيْ أَتَى بِلَفْظٍ يَقْتَضِي التَّرْكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ جَرَى لَفْظُ عَفْوٍ (عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْرِ) الْقَطْعُ (فَلَا شَيْءَ) مِنْ قَوَدٍ وَدِيَةٍ لِإِسْقَاطِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (وَإِنْ سَرَى) إلَى النَّفْسِ (فَلَا قِصَاصَ) فِي نَفْسٍ وَطَرَفٍ لِتَوَلُّدِ السِّرَايَةِ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: قُطِعَ مَا لَا يُوجِبُ قَوَدًا كَجَائِفَةٍ، وَقَدْ عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ الْقَوَدِ فِيهَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ) بِأَنْ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ قَوْلُهُ وَالْمُفْلِسُ (قَوْلُهُ وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْهَا وَالْعَفْوَ إسْقَاطُ ثَابِتٍ

(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ بِحَالٍ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ عَفَوْتُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى أَنْ لَا مَالَ صَحَّ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَغَا قَوْلُهُ عَلَى أَنْ لَا مَالَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ.

وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فَتَجِبُ

(قَوْلُهُ: أَمَّا غَيْرُ الْجِنْسِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهَا (قَوْلُهُ: خَلَفُهُ) أَيْ خَلَفَ الْقَوَدِ

(قَوْلُهُ: فَقَتَلَهُ فَهَدَرٌ) أَيْ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ وَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ) أَيْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَقَالَ اُقْتُلْنِي (قَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَأَرْشُهُ) لَا يَخْفَى صَرَاحَةُ السِّيَاقِ كَقَوْلِهِ الْآتِي وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ إلَخْ فِي صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ الْأَرْشِ، وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَالْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ لَاغٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلْتُنْظَرْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِمَا إذَا عَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الْأَرْشِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْأَرْشِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالرَّشِيدِ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ قُطِعَ إلَخْ.) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ قُطِعَ إلَخْ. مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ أَوْ الْقَتْلِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ إلَخْ. لَا يُنَاسِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ الَّتِي اقْتَضَاهَا عَطْفُهُ لَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ) أَيْ فِيمَا لَوْ سَرَى أَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي إذْ الْقَطْعُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ بِانْضِمَامِ الْقَطْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السِّرَايَةِ إلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: أَوْ جَرَى لَفْظُ عَفْوٍ) الْمُنَاسِبُ: فَإِنْ جَرَى لَفْظُ وَصِيَّةٍ إلَخْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ جَرَى لَفْظُ عَفْوٍ لَيْسَ هُوَ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَغَرَضُهُ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ قَسَّمَ الْعَفْوَ فِيمَا يَأْتِي إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعَفْوِ الْمُقَسَّمِ خُصُوصَهُ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>