للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ لِنَفْسِهِ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ لِصُدُورِ عَفْوِهِ عَنْ قَوَدٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ عَفْوُهُ.

وَبِقَوْلِهِ عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ مَا لَوْ قَالَ عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَزِدْ فَإِنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الْقَوَدِ لَا الْأَرْشِ كَمَا فِي الْأُمِّ: أَيْ فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ بِلَا اخْتِيَارِهِ الْفَوْرِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ (وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ فَإِنْ جَرَى) فِي صِيغَةِ الْعَفْوِ عَنْهُ (لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَ أَوْصَيْت لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ) وَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ الْأَرْشُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ سَقَطَ وَإِلَّا نَفَذَتْ مِنْهُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ (أَوْ) جَرَى (لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ أَوْ عَفْوٍ سَقَطَ) قَطْعًا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ نَاجِزٌ، وَالْوَصِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَالَةِ الْمَوْتِ، وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا سَامَحُوا فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ هُنَا عَنْ الْعُضْوِ وَمَعَ الْجَهْلِ بِوَاجِبِهِ حَالَ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَقِرَّ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِالْمَوْتِ الْوَاقِعِ بَعْدُ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ دُونَ الْعُضْوِ وَلِأَنَّ جِنْسَ الدِّيَةِ سُومِحَ فِيهِ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا مَعَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْجَهْلِ فِيهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ وَمِمَّا يَأْتِي فِيهَا (وَقِيلَ) هُوَ (وَصِيَّةٌ) لِاعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ اتِّفَاقًا فَيُجْرَى فِيهَا خِلَافُ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ بِالْمَوْتِ دُونَ التَّبَرُّعِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فَلِوَلِيِّهِ) أَيْ الْعَافِي الْقِصَاصُ أَيْ مِنْ الْجَانِي الْمَعْفُوِّ عَنْ الْقَوَدِ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: فَلَمْ يُؤَثِّرْ عَفْوُهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ) كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ عَفْوَهُ عَنْ الْقَوَدِ وَالْأَرْشِ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْشِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا، وَلِهَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الْأَرْشِ لَغَا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الْأَرْشِ فَلَا يَصِحُّ وَبَيْنَ الْعَفْوِ عَنْهُ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ فَيَصِحُّ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَيُوَجَّهُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ لَمْ يَجِبْ الْأَرْشُ إلَّا إذَا عَفَا عَلَيْهِ عَقِبَ مُطْلَقِ الْعَفْوِ فَذِكْرُهُ فِي الْعَفْوِ كَالتَّصْرِيحِ بِلَازِمِ مُطْلَقِ الْعَفْوِ فَيَصِحُّ

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ إذْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا وَأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْمَالِ لَغْوٌ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ الْأَرْشِ وَأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ لَغْوٌ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ حَتَّى يُفْصَلَ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا: فَإِنْ جَرَى لَفْظُ وَصِيَّةٍ إلَخْ اُعْتُرِضَ؛ لِأَنَّ الْمُقَسِّمَ الْعَفْوُ عَنْ الْأَرْشِ فَتَقْسِيمُهُ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِبْرَاءِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ.

وَأَجَابَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَفْوِ فِي الْمُقَسِّمِ مُطْلَقَ الْإِسْقَاطِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي تَقْسِيمِهِ إلَى مَا ذَكَرَ الَّذِي مِنْهُ الْإِسْقَاطُ بِلَفْظِ الْعَفْوِ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ حَتَّى يُفْصَلَ إلَخْ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَرْشِ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَاجِبَ الْجِنَايَةِ) عِلَّةُ قَوْلِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِوَاجِبِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ جِنْسَ الدِّيَةِ) عِلَّةُ قَوْلِهِ وَلَعَلَّهُمْ إلَخْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

يَلْزَمَ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّرْكُ، وَمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّقْسِيمِ دَلِيلٌ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِالْمَوْتِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِوَاجِبِ الْعَفْوِ وَاجِبُهُ فِي نَفْسِهِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي هَذَا قَوْلُهُ: الْآتِي وَلَوْ سَاوَى الْأَرْشُ الدِّيَةَ إلَخْ. وَحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ سم مِمَّا مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَ وَاجِبِ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَقِرِّ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِالْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْمُبْرَأِ مِنْهُ مَعْلُومًا، لَكِنْ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَقْلُ الْإِشْكَالِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَرْشُ الْعُضْوِ مَنْسُوبًا لِلنَّفْسِ، قَالَ مَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ السِّرَايَةِ لَا يَنْظُرُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلْيُرَاجَعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>