للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَطِنًا) فِيهَا (نَاصِحًا) لِأَهْلِ الْعَدْلِ (يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ) عَلَى الْإِمَامِ: أَيْ يَكْرَهُونَ مِنْهُ تَأَسِّيًا بِعَلِيٍّ مِنْ بَعْثِهِ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إلَى الْخَوَارِجِ بِالنَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ لِلطَّاعَةِ، وَكَوْنُ الْمَبْعُوثِ عَارِفًا فَطِنًا وَاجِبٌ إنْ بُعِثَ لِلْمُنَاظَرَةِ وَإِلَّا فَمُسْتَحَبٌّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ، كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ قِتَالِهِمْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ بِبَقَائِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ تَتَوَلَّدُ مَفَاسِدُ قَدْ لَا تُتَدَارَكُ، نَعَمْ لَوْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ وَقَالُوا: نُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنَّا لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ وَإِنَّمَا يُبَاحُ (فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا (أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا) عَنْهُمْ بِنَفْسِهِ فِي الشُّبْهَةِ، وَمُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْمَظْلِمَةِ وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْإِمَامِ فَإِزَالَتُهُ لِلشُّبْهَةِ بِتَسَبُّبِهِ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا وَلِلْمَظْلِمَةِ بِرَفْعِهَا (فَإِنْ أَصَرُّوا) عَلَى بَغْيِهِمْ بَعْدَ إزَالَةِ ذَلِكَ (نَصَحَهُمْ) نَدْبًا بِوَعْظٍ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا وَحَسَّنَ لَهُمْ اتِّحَادَ كَلِمَةِ الدِّينِ وَعَدَمَ شَمَاتَةِ الْكَافِرِينَ (ثُمَّ) إنْ أَصَرُّوا دَعَاهُمْ لِلْمُنَاظَرَةِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَانْقَطَعُوا وَكَابَرُوا (آذَنَهُمْ) بِالْمَدِّ: أَيْ أَعْلَمَهُمْ (بِالْقِتَالِ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ الْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ هَذَا إنْ كَانَ بِعَسْكَرِهِ قُوَّةٌ، وَإِلَّا انْتَظَرَهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُظْهِرَ ذَلِكَ لَهُمْ بَلْ يُرْهِبُهُمْ وَيُوَرِّي (فَإِنْ اسْتَمْهَلُوا) فِي الْقِتَالِ (اجْتَهَدَ) فِي الْإِمْهَالِ (وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا) فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِمْهَالَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ أَمْهَلَهُمْ مَا يَرَاهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ لِانْتِظَارِ مَدَدٍ أَوْ تَقْوِيَةٍ لَمْ يُمْهِلْهُمْ، وَيَكُونُ قِتَالُهُمْ كَدَفْعِ الصَّائِلِ سَبِيلُهُ الدَّفْعُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ.

قَالَهُ الْإِمَامُ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ هَرَبٍ أَمْكَنَ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إزَالَةُ شَوْكَتِهِمْ مَا أَمْكَنَ

(وَلَا يُقَاتِلُ) إذَا وَقَعَ الْقِتَالُ (مُدْبِرَهُمْ) إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ لَا بَعِيدَةٍ لِأَمْنِ غَائِلَتِهِ فِيهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا هِيَ الَّتِي يُؤْمَنُ فِي الْعَادَةِ مَجِيئُهَا إلَيْهِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مَجِيئُهَا إلَيْهِمْ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ اُتُّجِهَ أَنْ يُقَاتِلَ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى كَوْنِهِ يُعَدُّ مِنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: مَنْ بَعَثَهُ الْعَبَّاسُ) عِبَارَةُ حَجّ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ ابْنَ عَبَّاسٍ

(قَوْلُهُ: بِالنَّهْرَوَانِ) قَالَ فِي لُبِّ اللُّبَابِ النَّهْرَوَانِيُّ بِفَتَحَاتٍ وَسُكُونِ الْهَاءِ نِسْبَةً إلَى نَهْرَوَانَ بَلَدٌ بِقُرْبِ بَغْدَادَ، وَقَالَ فِي مُعْجَمِ الْبَكْرِيِّ: فِي النَّهْرَوَانِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: فَتْحُ النُّونِ مَعَ تَثْلِيثِ الرَّاءِ، وَالرَّابِعُ ضَمُّهُمَا جَمِيعًا اهـ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمُسْتَحَبٌّ) لَكِنْ تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ، وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِفَاسِقٍ وَلَوْ كَافِرًا حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَنْقُلُ خَبَرَهُ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنَّهُمْ يَثِقُونَ بِهِ فَيَقْبَلُونَ كُلَّ مَا يَقُولُ

(قَوْلُهُ: مَظْلِمَةً بِكَسْرِ اللَّامِ، وَفَتْحِهَا) أَيْ فَهُمَا بِمَعْنًى.

قَالَ الْمُرَادِيُّ: الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ اهـ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَالْقِيَاسُ فِيهَا كُلِّهَا الْفَتْحُ وَمَا جَاءَ مِنْهَا مَكْسُورًا فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَفِي الْمُخْتَارِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَظْلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ هِيَ الظُّلْمُ وَبِفَتْحِهَا مَا تَطْلُبُهُ عِنْدَ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْك

(قَوْلُهُ: فَإِزَالَتُهُ) أَيْ الْإِمَامِ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْقِتَالُ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: ٩] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا انْتَظَرَهَا: أَيْ وُجُوبًا

(قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ) أَيْ التَّحَيُّزِ إلَى الْفِئَةِ الْبَعِيدَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ إلَخْ) أَيْ وَهُنَا الْمَدَارُ عَلَى مَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُنَاصَرَةُ لِلْبُغَاةِ فِي ذَلِكَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَالْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: مَنْ بَعَثَهُ الْعَبَّاسُ) صَوَابُهُ ابْنُ الْعَبَّاسِ، وَلَعَلَّ لَفْظَ ابْنٍ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ مَنَعُوا الزَّكَوَاتِ إلَخْ.) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ بَغْيِهِمْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا) الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَالْكَسْرُ شَاذٌّ، لَكِنَّ هَذَا فِي الْمَصْدَرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا يَظْلِمُ بِهِ وَهُوَ بِالْكَسْرِ فَقَطْ وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْجَلَالُ، وَفِي الْقَامُوسِ الْمَظْلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ مَا يَظْلِمُهُ الرَّجُلُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا) قَالَ سم يَنْبَغِي، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>