للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتِبَارُ الْعَدَدِ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ حَقِيقَةُ الِاجْتِهَادِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيُشْتَرَطُ شَاهِدَانِ إنْ اتَّحَدَ الْمُبَايِعُ: أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا ادَّعَى عَقْدَ سَابِقٍ وَطَالَ الْخِصَامُ لَا إنْ تَعَدَّدُوا: أَيْ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِهَا حِينَئِذٍ فَلَا مَحْذُورَ (وَ) ثَانِيهَا (بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) وَاحِدًا بَعْدَهُ وَلَوْ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَهْدِهِ إلَيْهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَكُونَ هُوَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةً فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَوْتِهِ فَفِيهِ شِبْهٌ بِوَكَالَةٍ نُجِزَتْ وَعُلِّقَ تَصَرُّفُهَا بِشَرْطٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ قَضِيَّةِ الْعَهْدِ، وَعُلِمَ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْوَكَالَةِ رَدُّ قَوْلِ الْبُلْقِينِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ، وَيَجُوزُ الْعَهْدُ لِجَمْعٍ مَرَّتَيْنِ. نَعَمْ لِلْأَوَّلِ مَثَلًا بَعْدَ مَوْتِ الْعَاهِدِ الْعَهْدُ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَلَّ صَارَ أَمْلَكَ بِهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِهَا لِوَاحِدٍ جَازَ لَكِنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ وَاجْتِمَاعَ الشُّرُوطِ فِيهِ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (فَلَوْ جَعَلَ) الْإِمَامُ (الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعٍ فَكَاسْتِخْلَافٍ) فِي الِاعْتِدَادِ بِهِمْ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِقَضِيَّتِهِ (فَيَرْتَضُونَ) بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ بِإِذْنِهِ (أَحَدَهُمْ) كَمَا جَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ: عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ، فَاتَّفَقُوا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الِاخْتِيَارِ لَمْ يُجْبَرُوا كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الْمَعْهُودُ إلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ وَكَانَ لَا عَهْدَ وَلَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَمَا فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَحْدَهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ انْضَمَّ إلَى الْمُبَايِعِ وَاحِدٌ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاكْتَفَى بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ

(قَوْلُهُ: وَثَانِيهَا بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) خَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُمَرَاءِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ مَنْ يَكُونُ أَمِيرًا بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ مِنْ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ) الَّذِي كَتَبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا وَأَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ أَنِّي اسْتَعْمَلْت عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنْ بَرَّ وَعَدَلَ فَذَلِكَ عِلْمِي وَرَأْيِي فِيهِ، وَإِنْ جَارَ وَبَدَّلَ فَلَا عِلْمَ لِي بِالْغَيِّ، وَالْخَيْرَ أَرَدْت، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَهُ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧]

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّته أَنَّهُ لَوْ أَخَرَّهُ) أَيْ عَقْدَ الْخِلَافَةِ (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ حَجّ حَيْثُ قَالَ: تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ لَفْظًا، وَقَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِمْ بِالْوَكَالَةِ أَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الرَّدِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِالِاحْتِيَاطِ لِلْإِمَامَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَدَّمْته فِي الْبَيْعَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ حَتَّى يُنْقَلَ عَنْهُ بِخِلَافِهِ هُنَا

(قَوْلُهُ: فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ) أَيْ فَلَيْسَ لَهُمْ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاخْتِيَارُ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الِاخْتِيَارِ لَمْ يُجْبَرُوا ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُمْ يَخْتَارُونَ أَحَدَهُمْ ظَاهِرٌ إنْ فَوَّضَ لَهُمْ لِيَخْتَارُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَلَوْ فَوَّضَ لِجَمْعٍ لِيَخْتَارُوا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِهِمْ هَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيَخْتَارُوا مَنْ شَاءُوا أَوْ لَا وَكَأَنْ لَا عَهْدَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ) لَعَلَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِمْ اهـ بَكْرِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَكَانَ لَا عَهْدَ وَلَا جَعْلَ شُورَى) قَالَ حَجّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بِقِسْمَيْهِ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ الْجَامِعِ لِلشُّرُوطِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي التَّارِيخِ وَالطَّبَقَاتِ مِنْ تَنْفِيذِ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ بِعُهُودِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ مَعَ عَدَمِ اسْتِجْمَاعِهِمْ لِلشُّرُوطِ بَلْ نَفَذَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

يُبَايِعُهُ فَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِبَيْعَةِ الْعَوَامّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَيْ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ) قَالَ الشِّهَابُ حَجّ: وَشَهَادَةُ الْإِنْسَانِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ مَقْبُولَةٌ حَيْثُ لَا تُهْمَةَ كَرَأَيْتُ الْهِلَالَ وَأَرْضَعْت هَذَا (قَوْلُهُ: فِي حَيَاتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخِلَافَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ أَخَّرَهُ) يَعْنِي: الْخِلَافَةَ (قَوْلُهُ: رَدُّ قَوْلِ الْبُلْقِينِيِّ إلَخْ.) يُوهِمُ اشْتِرَاطَ أَصْلِ الْقَبُولِ وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>