للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ وَاضِحٌ لَا يُفِيدُ فَيُكَفَّرُ بَاطِنًا أَيْضًا لِحُصُولِ التَّهَاوُنِ مِنْهُ، وَبِهِ فَارَقَ قَبُولَهُ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ بَاطِنًا (فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: ٨٨] عَلَى مَذْهَبِ الْبَاقِلَّانِيِّ أَوْ الْغَزَالِيِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ «إنَّ اللَّهَ صَنَعَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» وَلَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَارِدُ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَلَةِ نَحْوُ {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٤] {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: ٥٤] وَمَا فِي الْخَبَرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَأَيْضًا فَالْكَلَامُ فِي الصَّانِعِ بِأَلْ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ، وَاَلَّذِي فِي الْخَبَرِ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا صَاحِبَ كُلِّ نَجْوَى أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ» لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ أَنَّ الصَّاحِبَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَكَذَا هُوَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّانِعَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعُ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ لَهُ» ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ الْمُضَافِ أَوْ الْمُقَيَّدِ نَعَمْ صَحَّ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ «اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَاتِحٌ لَكُمْ وَصَانِعٌ» وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِلْفُقَهَاءِ هُنَا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ (أَوْ الرُّسُلَ) أَوْ أَحَدَهُمْ أَوْ أَحَدَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ أَوْ زَادَ حَرْفًا فِيهِ قَدْ أُجْمِعَ عَلَى نَفْيِهِ مُعْتَقِدًا كَوْنَهُ مِنْهُ

(أَوْ) (كَذَّبَ رَسُولًا) أَوْ نَبِيًّا أَوْ نَقَصَهُ بِأَيِّ مُنْقِصٍ كَأَنْ صَغَّرَ اسْمَهُ قَاصِدًا تَحْقِيرَهُ أَوْ جَوَّزَ نُبُوَّةَ أَحَدٍ بَعْدَ وُجُودِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِيسَى نَبِيٌّ قَبْلُ فَلَا يُرَدُّ، وَمِنْهُ تَمَنِّي النُّبُوَّةَ بَعْدَ وُجُودِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَمَنِّي كُفْرِ مُسْلِمٍ بِقَصْدِ الرِّضَا بِهِ لَا التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ أَيْضًا لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا مَا آمَنْت بِهِ وَخَرَجَ بِكَذِبِهِ كَذِبُهُ عَلَيْهِ (أَوْ) (حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ) قَدْ عُلِمَ تَحْرِيمُهُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَمْ يَجُزْ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ (كَالزِّنَا) وَاللِّوَاطِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْمَكْسِ إذْ إنْكَارُهُ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ تَكْذِيبٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَعَكْسُهُ) أَيْ حَرَّمَ حَلَالًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ كَذَلِكَ كَنِكَاحٍ وَبَيْعٍ (أَوْ) (نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) مَعْلُومًا كَذَلِكَ كَسَجْدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ أَوْجَبَ مُجْمَعًا عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهِ مَعْلُومًا كَذَلِكَ كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ أَوْ نَفَى مَشْرُوعِيَّةَ مُجْمَعٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ مَعْلُومًا كَذَلِكَ وَلَوْ نَفْلًا كَالرَّوَاتِبِ وَكَالْعِيدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، أَمَّا مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

(قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ قَبُولَهُ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ) ظَاهِرُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَذْهَبِ الْبَاقِلَّانِيِّ) أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا لَا يُشْعِرُ بِنَقْصٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْغَزَالِيُّ: أَيْ أَنَّهُ يُجَوِّزُ إطْلَاقَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ تَرِدْ وَهَذَا حِكْمَةُ الْعَطْفِ بِأَوْ (قَوْلُهُ: وَلَا دَلِيلَ فِيهِ) أَيْ الْحَدِيثِ

(قَوْلُهُ: مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) أَيْ وَجْهِ الْمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُضَافِ

(قَوْلُهُ: يَا صَاحِبَ كُلِّ نَجْوَى) أَيْ كَلَامٍ خَفِيٍّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: لِيَعْزِمَ) أَيْ يُصَمِّمَ الدَّاعِي

(قَوْلُهُ: وَهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِلْفُقَهَاءِ هُنَا) أَيْ فِي إطْلَاقِ الصَّانِعِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

(قَوْلُهُ: كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ فِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ سُقُوطَهُمَا مِنْ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى قُرْآنِيَّتِهِمَا

(قَوْلُهُ: قَاصِدًا تَحْقِيرَهُ) قَيْدٌ

(قَوْلُهُ: تَمَنِّي النُّبُوَّةِ بَعْدَ وُجُودِ نَبِيِّنَا) أَيْ أَوْ ادِّعَائِهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهِ بِنَصِّ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠]

(قَوْلُهُ: لَا التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ) أَيْ لِكَوْنِهِ ظَلَمَهُ مَثَلًا. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَيْضًا) أَيْ مِنْ الرِّدَّةِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُرِدْ الْمُبَالَغَةَ فِي نَفْيِ النُّبُوَّةِ عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِانْتِفَائِهَا

(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِكَذِبِهِ كَذِبُهُ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ كَبِيرَةً فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَيْ حَرَّمَ حَلَالًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَذَلِكَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِهِ، أَمَّا بَاطِنًا فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ حَقِيقَةً فَهُوَ مَعْذُورٌ

(قَوْلُهُ: أَمَّا مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ قَبُولَهُ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ) اُنْظُرْ الصُّورَةَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّوْرِيَةَ فِي الطَّلَاقِ وَيُقْبَلُ فِيهَا بَاطِنًا (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُقَيَّدِ) أَيْ إنْ نُوِّنَا (قَوْلُهُ: كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ بِضَبْطِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>