للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَجَبَ الْحَدُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الْإِحْصَانِ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ فِي مُطْلَقِ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنَّ حَذْفَهُ يُوجِبُ اشْتِرَاطَهُ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لَا تَسْمِيَتَهُ مُحْصَنًا فَبَيَّنَ بِتَكْرِيرِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا، وَيُلْحَقُ بِالْمُكَلَّفِ هُنَا أَيْضًا السَّكْرَانُ (حُرٌّ) كُلُّهُ، فَمَنْ بِهِ رِقٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ (وَلَوْ) هُوَ (ذِمِّيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ وكَانَا قَدْ أُحْصِنَا» فَالذِّمَّةُ شَرْطٌ لِحَدِّهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ نَحْوَ الْحَرْبِيِّ لَا يُحَدُّ لَا لِإِحْصَانِهِ إذْ لَوْ وَطِئَ نَحْوُ حَرْبِيٍّ فِي نِكَاحٍ فَهُوَ مُحْصَنٌ لِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ. فَإِذَا عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ وَزَنَى

رُجِمَ (غَيَّبَ حَشَفَتَهُ) كُلَّهَا أَوْ قَدْرَهَا مِنْ فَاقِدِهَا بِشَرْطِ كَوْنِهَا مِنْ ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ عَامِلٍ (بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) وَلَوْ مَعَ نَحْوِ حَيْضٍ وَعِدَّةِ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى تِلْكَ اللَّذَّةَ الْكَامِلَةَ اجْتِنَابُهَا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا أَوْ اسْتَوْفَاهَا فِي دُبُرٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَا قَالَ (لَا فَاسِدَ فِي الْأَظْهَرِ) لِحُرْمَتِهِ لِذَاتِهِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ صِفَةُ كَمَالٍ، وَكَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي إحْصَانِ الْوَاطِئِ يُعْتَبَرُ فِي إحْصَانِ الْمَوْطُوءَةِ، وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى النِّكَاحِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ وَثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأَنْكَرَ وَطْءَ زَوْجَتِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَتَكْلِيفِهِ) فَلَا إحْصَانَ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ قِنٍّ وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِصَابَةِ كَوْنُهَا بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ فَاشْتُرِطَ مِنْ كَامِلٍ أَيْضًا وَلَا يَرِدُ عَلَى اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ حُصُولُ الْإِحْصَانِ مَعَ تَغْيِيبِهَا حَالَةَ النَّوْمِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَوْجُودٌ حِينَئِذٍ بِالْقُوَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّائِمُ مُكَلَّفًا بِالْفِعْلِ لِرُجُوعِهِ إلَيْهِ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ حَالَ التَّغْيِيبِ لَا الزِّنَى، فَلَوْ أُحْصِنَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ حَارَبَ وَأُرِقَّ ثُمَّ زَنَى رُجِمَ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُرْجَمُ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ: الْمُحْصَنُ الَّذِي يُرْجَمُ مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ حَالَةَ الْوَطْءِ وَالزِّنَى، فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ وَطِئَ نَاقِصًا ثُمَّ زَنَى كَامِلًا لَا يُرْجَمُ، بِخِلَافِ مَنْ كَمُلَ فِي الْحَالَيْنِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ، وَالثَّانِي يُكْتَفَى بِهِ فِي غَيْرِ الْحَالَيْنِ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) (الْكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (مُحْصَنٌ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ نَقْصُ صَاحِبِهِ وَاطِئًا أَوْ مَوْطُوءًا لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ التَّغْيِيبُ حَالَ كَمَالِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ مِنْهُمَا، فَقَوْلُهُ بِنَاقِصٍ مُتَعَلِّقٌ بِكَامِلٍ لَا بِالزَّانِي كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ؛ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْكَامِلَ الْحُرَّ الْمُكَلَّفَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يُتَأَمَّلُ هَذَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ زَنَى صَبِيًّا وَبَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ وَاسْتَدَامَهُ يُرْجَمُ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ سَبْقُ الْإِحْصَانِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِيلَاجِ حَشَفَتِهِ مُكَلَّفًا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَمَا يَأْتِي، وَعَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ زِنَاهُ صَبِيًّا بَعْدَ إحْصَانِهِ ثُمَّ يَبْلُغُ وَيَسْتَدِيمُ الْوَطْءَ فَلَعَلَّ مَا هُنَا تَصْوِيرٌ لِمُجَرَّدِ وُجُوبِ الْحَدِّ أَوْ لِتَحْصِيلِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، نَعَمْ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ جُنَّ بَعْدَ تَزَوُّجِهِ ثُمَّ وَطِئَ حَالَ جُنُونِهِ فَأَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْوَطْءِ وَاسْتَدَامَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُكَلَّفٌ مُعْتَبَرٌ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ الْمُعْتَبَرَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُهُ: أَيْ الْحَدِّ التَّكْلِيفُ، فَمَا هُنَا إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا زَنَى بَعْدَهُ يُرْجَمُ.

[فَرْعٌ] نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ السُّقُوطِ فَيَكُونُ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبَ الْحَدِّ

(قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا

(قَوْلُهُ: فِي نَسَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ نَسَبَ الْوَلَدِ

(قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ: فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ نَقْصُ صَاحِبِهِ) أَيْ زَوْجِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَتٍّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى هَذَا الْفَهْمِ لَيْسَ لَهُ مَوْقِعٌ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: يُوجِبُ اشْتِرَاطَهُ إلَخْ.) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ يُوهِمُ اشْتِرَاطَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَصْلِيٍّ عَامِلٍ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ اسْتِيجَاهُهُ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي نَحْوِ الزَّائِدِ مَا مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَوْفَاهَا) يَعْنِي: مُطْلَقَ اللَّذَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>