للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَزْكِيَتَهَا (بِالْعُقُوبَةِ) الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَدِّ أَوْ التَّعْزِيرِ: أَيْ بِمُوجِبِهَا لِمِلْكِهِ الْغَايَةَ فَالْوَسِيلَةُ أَوْلَى، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا أَيْضًا بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَهْلِيَّةَ سَمَاعِهَا.

(وَالرَّجْمُ) الْوَاجِبُ فِي الزِّنَى يَكُونُ (بِمَدَرٍ) أَيْ طِينٍ مُتَحَجِّرٍ (وَ) نَحْوِ خَشَبٍ وَعَظْمٍ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ بِنَحْوِ (حِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلَأُ الْكَفَّ، نَعَمْ يَحْرُمُ بِكَبِيرٍ مُذَفَّفٍ لِتَفْوِيتِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْكِيلِ، وَبِصَغِيرٍ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ تَأْثِيرٍ لِطُولِ تَعْذِيبِهِ، وَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ أَنَّهُمْ رَمَوْهُ بِمَا وَجَدُوهُ حَتَّى بِالْجَلَامِيدِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْكِبَارُ غَيْرُ مُنَافٍ لِذَلِكَ لِصِدْقِهَا بِالْمُعْتَدِلِ الْمَذْكُورِ بَلْ قَوْلُهُمْ «فَاشْتَدَّ وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ حَتَّى أَتَى عَرْضَ الْحَرَّةِ فَانْتَصَبَ فَرَمَيْنَا بِجَلَامِيدِ الْحَرَّةِ حَتَّى سَكَتَ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْجَلَامِيدَ لَمْ تَكُنْ مُذَفَّفَةً وَإِلَّا لَمْ يُعَدِّدُوا الرَّمْيَ بِهَا إلَى أَنْ سَكَتَ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَبْعُدَ عَنْهُ فَيُخْطِئَهُ وَلَا يَدْنُوَ مِنْهُ فَيُؤْلِمَهُ: أَيْ إيلَامًا يُؤَدِّي لِسُرْعَةِ التَّذْفِيفِ، وَأَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ لِلرَّجْمِ، وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّهَا خَاتِمَةُ أَمْرِهِ، وَلْيَسْتُرْ عَوْرَتَهُ وَجَمِيعَ بَدَنِهِ، وَيُؤْمَرُ بِصَلَاةٍ دَخَلَ وَقْتُهَا، وَنُجِيبُهُ لِشُرْبٍ لَا أَكْلٍ وَلِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُجَهَّزُ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا وَيُعْتَدُّ بِقَتْلِهِ بِالسَّيْفِ لَكِنْ فَاتَ الْوَاجِبُ.

(وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ) عِنْدَ رَجْمِهِ وَإِنْ ثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُ الْحَفْرِ.

وَاسْتُشْكِلَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ مَاعِزًا حُفِرَ لَهُ مَعَ أَنَّ زِنَاهُ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يُحْفَرْ لَهُ وَلِهَذَا جَرَى فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بِأَنَّهُ حُفِرَ لِمَاعِزٍ حَفِيرَةٌ صَغِيرَةٌ فَلَمَّا رُجِمَ هَرَبَ مِنْهَا (وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ) بِحَيْثُ يَبْلُغُ صَدْرَهَا (إنْ ثَبَتَ) زِنَاهَا (بِبَيِّنَةٍ) أَوْ لِعَانٍ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ لَا إقْرَارٍ يُمْكِنُهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ وَثُبُوتُ الْحَفْرِ لِلْغَامِدِيَّةِ مَعَ كَوْنِهَا مُقِرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَرْ لِلْجُهَنِيَّةِ وَكَانَتْ مُقِرَّةً أَيْضًا.

(وَلَا يُؤَخَّرُ) الرَّجْمُ (لِمَرَضٍ) يُرْجَى بُرْؤُهُ (وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ) إذْ النَّفْسُ مُسْتَوْفَاةٌ بِكُلِّ حَالٍ (وَقِيلَ يُؤَخَّرُ) أَيْ نَدْبًا (إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ الرُّجُوعِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، أَمَّا مَا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَلَا يُؤَخَّرُ لَهُ جَزْمًا، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ أَوْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي الْحِرَابَةِ، نَعَمْ يُؤَخَّرُ لِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلِلْفِطَامِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِرَاحِ وَلِزَوَالِ جُنُونٍ طَرَأَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ.

(وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ لِلْمَرَضِ) أَوْ نَحْوِ جُرْحٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ مِنْهُ أَوْ لِكَوْنِهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الرَّدْعُ لَا الْقَتْلُ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جُلِدَ) إذْ لَا غَايَةَ لَهُ تُنْتَظَرُ (لَا بِسَوْطٍ) لِئَلَّا يَهْلَكَ وَبِنَحْوِ نِعَالٍ (بَلْ بِعِثْكَالٍ) بِكَسْرِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

شَخْصًا أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا لَا تُوجِبُ ضَمَانًا، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُعَزِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى الْأَصَحِّ

(قَوْلُهُ: فَالْوَسِيلَةُ) أَيْ الْبَيِّنَةُ.

(قَوْلُهُ: وَالرَّجْمُ) أَيْ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّنْكِيلُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ

(قَوْلُهُ: أَتَى عَرْضَ الْحَرَّةِ) اسْمٌ لِجَبَلٍ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ) أَيْ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَقَّى إلَخْ فَالتَّوَقِّي مَنْدُوبٌ (قَوْلُهُ: وَيَعْرِضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا تَابَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ (قَوْلُهُ: وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) أَيْ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَيَنْبَغِي وُجُوبُ السَّتْرِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ رُؤْيَتُهَا عِنْدَ الرَّمْيِ

(قَوْلُهُ: وَنُجِيبُهُ) أَيْ وُجُوبًا

(قَوْلُهُ: وَلِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ نُجِيبُهُ لِذَلِكَ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ.

(قَوْلُهُ: لِوَضْعِ الْحَمْلِ) أَيْ فَلَوْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَرُمَ وَاعْتُدَّ بِهِ وَلَا شَيْءَ فِي الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ وَهُوَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ، وَأَمَّا وَلَدُهَا إذَا مَاتَ لِعَدَمِ مَنْ يُرْضِعُهُ فَيَنْبَغِي ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ بِقَتْلِ أُمِّهِ أُتْلِفَ مَا هُوَ غِذَاءٌ لَهُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً فَمَاتَ وَلَدُهَا.

(قَوْلُهُ: بِعِثْكَالٍ) وَيُقَالُ فِيهِ عُثْكُولٌ وَإِثْكَالٌ بِإِبْدَالِ الْعَيْنِ هَمْزَةً وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الرُّطَبُ فَإِذَا يَبِسَتْ تِلْكَ الشَّمَارِيخُ فَهُوَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَبِنَحْوِ نِعَالٍ) لَعَلَّهُ إذَا زَادَ أَلَمُهَا عَلَى أَلَمِ الْعِثْكَالِ كَمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>