لَزِمَهُ الْقِصَاصُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ، وَلَوْ صِيلَ عَلَى مَالِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَهْرُبَ وَيَدَعَهُ لَهُ أَوْ عَلَى بُضْعِهِ ثَبَتَ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْهُ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الْهَرَبِ هُنَا إنْ أَمْكَنَ أَيْضًا، وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ حَيْثُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ هَرَبٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَلَوْ صَالَ عَلَيْهِ مُرْتَدٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ لَمْ يَجِبْ هَرَبٌ بَلْ يَحْرُمُ إنْ حَرُمَ الْفِرَارُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجِبُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حَمْلُ نَصِّ الْهَرَبِ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِهِ وَنَصِّ عَدَمِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ (وَلَوْ) (عُضَّتْ يَدُهُ) مَثَلًا (خَلَّصَهَا) مِنْهُ بِفَكِّ لَحْيٍ فَضَرْبِ فَمٍ فَسَلِّ يَدٍ فَفَقْءِ عَيْنٍ فَقَلْعِ لَحْيٍ فَعَصْرِ خُصْيَةٍ فَشَقِّ بَطْنٍ وَمَتَى انْتَقَلَ لِمَرْتَبَةٍ مَعَ إمْكَانِ أَخَفَّ مِنْهَا ضَمِنَ نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ (بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ) أَيْ رَفْعِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ وَلَا جُرْحٍ (وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ) وَلَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ إنْذَارٍ بِالْقَوْلِ يُعْلَمُ عَدَمُ إفَادَتِهِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ أَوْ لَمْ يَعْجَزْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَثِيرِينَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ رَتَّبَ أَفْسَدَهَا الْعَاضُّ قَبْلَ تَخْلِيصِهَا مِنْ فِيهِ فَبَادَرَ (فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ) بِالنُّونِ (أَسْنَانُهُ) أَيْ سَقَطَتْ (فَهَدَرٌ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ذَلِكَ بِعَدَمِ الدِّيَةِ» وَالْعَاضُّ الْمَظْلُومُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ مُحْتَرَمٌ وَأَمْكَنَهُ إلَخْ كَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الْهَرَبَ يُنْجِيهِ، فَلَوْ عَرَفَ أَنَّهُ إنْ هَرَبَ طَمِعَ فِيهِ، وَتَبِعَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَجِبْ الْهَرَبُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ لَهُ قِتَالُهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ عَنْهُ: أَيْ الْبُضْعِ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الْهَرَبِ هُنَا) أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْهَرَبُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وُجُوبَ الْهَرَبِ عَلَى مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنْ حَرُمَ الْفِرَارُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى مِثْلَيْهِ، وَكَانَ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مُسْلِمًا مُشْرِكَانِ مِنْ غَيْرِ صَفٍّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُصَابَرَتُهُمَا بَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ (قَوْلُهُ: فَضَرْبِ فَمٍ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الضَّرْبُ أَسْهَلَ مِنْ فَكِّ اللِّحَى، وَإِلَّا قُدِّمَ الضَّرْبُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ بَعْدُ بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ (قَوْلُهُ: فَسَلِّ يَدٍ) أَيْ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَنَاثُرُ أَسْنَانِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ السَّلُّ أَسْهَلَ مِنْ ضَرْبِ الْفَمِ بَلْ وَمِنْ فَكِّ اللِّحَى زَادَ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ فَسَلِّ يَدٍ فَعَضٍّ (قَوْلُهُ: بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ) فِيهِ أَنَّ اللَّحْيَيْنِ هُمَا الْعَظْمَاتُ اللَّذَانِ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى، وَقَوْلُهُ أَيْ رَفْعُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لَا يَظْهَرُ فِيهِمَا، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ هُنَا بِاللَّحْيَيْنِ كُلًّا مِنْ الْعَظْمِ الَّذِي فِيهِ الْأَسْنَانُ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا مَجَازًا (قَوْلُهُ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ اهـ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: يَعْلَمُ عَدَمَ إفَادَتِهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَعْجَزْ (قَوْلُهُ: فَبَادَرَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَالْعَاضُّ الْمَظْلُومُ) كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ صِيلَ عَلَى مَالِهِ) يَعْنِي صِيلَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ مَالِهِ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى بُضْعِهِ ثَبَتَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ هُنَا خَلَطَ مَسْأَلَةً بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْقُوتِ وَنَصُّهَا: وَأَمَّا لَوْ كَانَ الصِّيَالُ عَلَى حَرَمِهِ فَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ وَيَدَعُهُمْ، بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ بِهِمْ فَكَالْهَرَبِ وَالتَّحَصُّنُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ انْتَهَتْ.
فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَا إذَا أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ دُونَ الْبُضْعِ، وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ بِهِ، وَمَا نَسَبَهُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْأُولَى وَمَا اسْتَقَرَّ بِهِ مِنْ مُتَعَلِّقِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَتَوَارَدْ طَرَفَا الْخِلَافِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ رَفْعِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ) لَعَلَّهُ حَمَلَ اللَّحْيَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْفَكِّ الْأَعْلَى وَالْفَكِّ الْأَسْفَلِ الَّذِي هُوَ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ تَغْلِيبًا، وَإِلَّا فَالْفَكُّ الْأَعْلَى لَا يُقَالُ لَهُ لَحْيٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute