للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَتُسَمَّى قُبَّةَ الْإِسْلَامِ وَخِزَانَةَ الْعَرَبِ (وَإِنْ كَانَ دَاخِلُهُ فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ) لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبِخَةً أَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ الْعِرَاقِ (إلَّا مَوْضِعًا غَرْبِيَّ دِجْلَتِهَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ، وَيُسَمَّى نَهْرُ الْفُرَاةِ (وَمَوْضِعَ شَرْقِيِّهَا) أَيْ الدِّجْلَةِ وَيُسَمَّى الْفُرَاتُ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَعَكَسَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ذَلِكَ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ) لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي وَقْفِهِ كَمَا مَرَّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَمَحَلُّهُ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الْأَرْضِ لِشُمُولِ الْوَقْفِ لَهَا، وَلَيْسَ لِمَنْ بِيَدِهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ فِي أَرْضِ السَّوَادِ أَخْذُ ثِمَارِهَا بَلْ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ، وَيَصْرِفُ أَثْمَانَهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ صَرْفُ نَفْسِهَا بِلَا بَيْعٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بِأَيْدِيهِمْ بِالْإِجَارَةِ (وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: ٢٢] أَيْ أَهْلُ مَكَّةَ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: ٢٤] بِاَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ: أَيْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ فَأَضَافَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلْمِلْكِ وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» وَاسْتَثْنَى أَفْرَادًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْأَمَانِ لِلْبَاقِي وَلَمْ يَسْلُبْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا وَلَا قَسَّمَ عَقَارًا وَلَا مَنْقُولًا، وَلَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِهِمْ وَنَقْضِهِمْ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ دُخُولِهَا.

وَفِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ أَسْفَلَهَا فَتَحَهُ خَالِدٌ عَنْوَةً وَأَعْلَاهَا فَتَحَهُ الزُّبَيْرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صُلْحًا، وَدَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ الْحُكْمُ لَهُ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ (فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ تُبَاعُ) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا، نَعَمْ الْأَوْلَى عَدَمُ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُمَا فِي الْأَرْضِ.

أَمَّا الْبِنَاءُ فَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ بَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ «مَكَّةُ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤَجَّرُ دُورُهَا» فَضَعِيفٌ خِلَافًا لِلْحَاكِمِ، وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً وَدِمَشْقُ عَنْوَةً عِنْدَ السُّبْكِيّ، وَمَنْقُولُ الرَّافِعِيِّ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ مُدُنَ الشَّامِ صُلْحٌ وَأَرْضَهَا عَنْوَةٌ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِبَقِيَّةِ الْحُبُوبِ، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تُقْصَدُ لِلزِّرَاعَةِ عَلَى حِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ) أَيْ إلَّا فِي النِّسْبَةِ فَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبِخَةً) السَّبِخَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَرْضٌ ذَاتُ سِبَاخٍ.

قُلْتُ: أَرْضٌ سَبِخَةٌ أَيْ ذَاتُ مِلْحٍ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَعَكَسَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ) مِنْهُمْ الْمَحَلِّيُّ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِمَنْ بِيَدِهِ أَشْجَارٌ) أَيْ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ إجَارَةِ الْأَرْضِ، إذْ الْحَادِثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكٌ لِمُحْدِثِهِ، وَالْإِجَارَةُ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ آجَرَ جَرِيبَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ (قَوْلُهُ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي دَلَالَةِ هَذِهِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْفَتْحِ بَلْ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالدُّورُ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ إذْ ذَاكَ بَلْ مُعَارَضٌ (قَوْلُهُ: وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ) أَيْ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَوَاتٌ أَحْيَوْهُ.

(قَوْلُهُ: رِبَاعُهَا) أَيْ مَنَازِلُهَا (قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً) أَيْ وَقُرَاهَا وَنَحْوُهَا مِمَّا فِي إقْلِيمِهَا صُلْحًا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتَاوِيهِ (قَوْلُهُ: أَنَّ مُدُنَ الشَّامِ) أَيْ أَنَّ فَتْحَ مُدُنِ إلَخْ.

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُ الْمَتْنِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ) أَيْ فِي الْوَقْفِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَدْخُلْهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَمَلَهَا الْفَتْحُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا لِابْنِ قَاسِمٍ هُنَا (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَنَّهَا) أَيْ أَرْضَ السَّوَادِ، وَهَذَا فِي الْأَشْجَارِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْإِجَارَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَتُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ.

(قَوْلُهُ: فَأَضَافَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُنَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً) أَيْ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهَا وُقِفَتْ كَمَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا خَرَاجَ فِي أَرَاضِيِهَا لِأَنَّهَا مِلْكُ الْغَانِمِينَ وَمَوْرُوثَةٌ عَنْهُمْ، لَكِنْ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>