للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ (إلَّا بِشَرْطٍ) حَيْثُ كَانَ الْمُؤَمِّنُ غَيْرَ الْإِمَامِ، نَعَمْ ثِيَابُهُ وَمَرْكُوبُهُ وَآلَةُ اسْتِعْمَالِهِ وَنَفَقَةُ مُدَّةِ أَمَانِهِ الضَّرُورِيَّاتُ تَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

وَحَاصِلُ ذَلِكَ دُخُولُ مَا مَعَهُ فِي الْأَمَانِ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ غَالِبًا كَثِيَابِهِ وَنَفَقَةِ مُدَّتِهِ مُطْلَقًا، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَدْخُلُ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُؤَمِّنُ الْإِمَامَ، وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِشَرْطٍ وَمَا خَلَّفَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ إنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ وَشَرَطَ دُخُولَهُ وَإِلَّا فَلَا

(وَالْمُسْلِمُ بِدَارِ كُفْرٍ) أَيْ حَرْبٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ الَّتِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا كَذَلِكَ (إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ) لِشَرَفِهِ أَوْ شَرَفِ قَوْمِهِ وَأَمِنَ فِتْنَةً فِي دِينِهِ، وَلَمْ يَرْجُ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ ثَمَّ بِمَقَامِهِ (اُسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ، وَرُبَّمَا كَادُوهُ، وَلَمْ تَجِبْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ وَلَمْ تَحْرُمْ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِ بَيْنَهُمْ الْقَهْرَ وَالْعَجْزَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ رَجَا ظُهُورَ الْإِسْلَامِ بِمَقَامِهِ، ثَمَّ كَانَ مَقَامُهُ أَفْضَلَ أَوْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَالِاعْتِزَالِ ثَمَّ، وَلَمْ يَرْجُ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ بِالْهِجْرَةِ كَانَ مَقَامُهُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ دَارُ الْإِسْلَامِ، فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ، ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَدُعَائِهِمْ لِلْإِسْلَامِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ دَارُ الْإِسْلَامِ أَنَّ كُلَّ مَحِلٍّ قَدَرَ أَهْلُهُ فِيهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ صَارَ دَارَ إسْلَامٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ تَعَذُّرُ عَوْدِهِ دَارَ كُفْرٍ وَإِنْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي خَبَرِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» فَقَوْلُهُمْ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ الْمُرَادُ بِهِ صَيْرُورَتُهُ كَذَلِكَ صُورَةً لَا حُكْمًا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ يَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ وَهُوَ بَعِيدٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ وَخَافَ فِتْنَةً فِيهِ (وَجَبَتْ) الْهِجْرَةُ (إنْ أَطَاقَهَا) وَعَصَى بِإِقَامَتِهِ وَلَوْ أُنْثَى لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا مَعَ أَمْنِهَا عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ كَانَ خَوْفُ الطَّرِيقِ أَقَلَّ مِنْ خَوْفِ الْإِقَامَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِنْ لَمْ يُطِقْهَا فَمَعْذُورٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: ٩٧] وَلِخَبَرِ «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ» وَخَبَرِ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أَيْ مِنْ مَكَّةَ لِكَوْنِهَا صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

(وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَسِيرَ فِي يَدِ الْكُفَّارِ مَقْهُورٌ مُهَانٌ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَخْلِيصًا لِنَفْسِهِ مِنْ رِقِّ الْأَسْرِ (وَلَوْ) (أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ) قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذًا لِلْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَأْمِنُوهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْغِيلَةِ، وَهِيَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ لِمَكَانٍ خَالٍ، ثُمَّ يَقْتُلَهُ (أَوْ) أَطْلَقُوهُ (عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ) أَوْ عَكْسُهُ (حُرِّمَ) عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مُتَعَذِّرٌ، نَعَمْ إنْ قَالُوا أَمَّنَّاكَ وَلَا أَمَانَ لَنَا عَلَيْكَ جَازَ لَهُ اغْتِيَالُهُمْ (فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ) أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ (فَلْيَدْفَعْهُمْ) حَتْمًا إنْ حَارَبُوهُ وَكَانُوا مِثْلَيْهِ فَأَقَلَّ، وَإِلَّا فَنَدْبًا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ أَنَّ الثَّبَاتَ لِلضَّعْفِ إنَّمَا يَجِبُ فِي الصَّفِّ (وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ) ابْتِدَاءً، وَلَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ التَّدْرِيجِ كَالصَّائِلِ لِانْتِقَاضِ أَمَانِهِمْ: أَيْ حَيْثُ قَصَدُوا نَحْوَ قَتْلِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ يُنْتَقَضْ فَيَدْفَعُهُمْ كَالصَّائِلِ إذْ الذِّمِّيُّ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقِتَالِنَا فَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى

(وَلَوْ) (شَرَطُوا) عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ) (لَمْ يَجُزْ) لَهُ (الْوَفَاءُ) بِهَذَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْمُؤَمِّنُ غَيْرَ الْإِمَامِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ دَخَلَ بِلَا شَرْطٍ

(قَوْلُهُ: لَهُ الْهِجْرَةُ) أَيْ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَالِاعْتِزَالِ، وَلَمْ يَرْجُ نُصْرَةَ الْإِسْلَامِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَجِبْ) أَيْ الْهِجْرَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ) أَيْ قَدْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَقَامِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مَعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ، وَقَدَرُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَلَمْ يَخْتَلَّ أَمْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِمَقَامِهِمْ هُنَاكَ وَلَا يَخْلُو عَنْ الْبُعْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَرْجُ نُصْرَةَ) أَيْ بِمَجِيئِهِ إلَيْهِمْ

(قَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ أَوْ وُجِدَ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ) أَيْ فَيَكُونُ الْمُعْتَمَدُ النَّدْبُ مُطْلَقًا

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ رَجَا إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ هَلْ يَجِبُ

(قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ اغْتِيَالُهُمْ) أَيْ لِفَسَادِ الْأَمَانِ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَذُّرِهِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>