لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِانْتِقَالَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ طُرُوُّ الْبَعْثَةِ، وَذَلِكَ قَدْ انْقَطَعَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَوْلَادُ الْمُنْتَقِلِينَ فَذَكَرَهُمْ ثَانِيًا، فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَوْلَى، وَدَعْوَى أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ الْفَسْخِ يُعْقَدُ لِأَوْلَادِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْقَدُ لَهُمْ إنْ لَمْ يَنْتَقِلُوا عَنْ دِينِ آبَائِهِمْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوْلَادٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ انْتِقَالٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ إلَى آبَائِهِمْ وَجْهٌ (وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ) عَلَى نَبِيّنَا وَ (عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ) وَصُحُفِ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى كُتُبًا فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: ٢٩] (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ) وَلَوْ الْأُمَّ اخْتَارَ الْكِتَابِيَّ أَمْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا، وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ بِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ، وَمَا أَوْهَمَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَ ذَلِكَ قَيْدٌ هُنَا أَيْضًا غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهِ كِتَابِيًّا لَا لِتَقْرِيرِهِ (وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ فِي الْأَوْلَى أَصَحُّ وَجْهَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَقَوْلٌ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِمُقَابِلِهِ، نَعَمْ لَوْ بَلَغَ ابْنُ وَثَنِيٍّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَتَدَيَّنَ بِدِينِ أَبِيهِ لَمْ يُقَرَّ جَزْمًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ، إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ غَالِبًا إلَّا مِنْهُمْ، وَالْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُ تَحْلِيفِهِمْ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ عَقْدِهَا لِغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ كَعَابِدِ شَمْسٍ أَوْ مَلِكٍ أَوْ وَثَنٍ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ وَالْمُعَطِّلِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ ابْنِ حَزْمٍ فِيهِ (وَخُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَلَوْ بَذَلَاهَا أَعْلَمْنَاهُمَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُمَا، فَإِنْ رَغِبَا بِهَا فَهِبَةٌ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ) كَأَنْ يَقُولَ وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ وَأَوْلَادِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ إلَى آبَائِهِمْ وَجْهٌ) هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُمْ احْتِرَامٌ بِكَوْنِ انْتِقَالِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ سَرَى الِاحْتِرَامُ لِأَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ انْتَقَلُوا تَبَعًا لَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَفَارَقَ كَوْنُ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا حَلَّتْ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَنْ النَّصِّ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِتَحْرِيمِهَا وَهُوَ أَوْجَهُ اهـ (قَوْلُهُ: اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ) أَيْ دِينَهُ (قَوْلُهُ: لَا لِتَقْرِيرِهِ) أَيْ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُخْتَارَ دِينُ الْوَثَنِيِّ مَثَلًا (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ بَلَغَ) هَذَا يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ السَّابِقُ اخْتَارَ الْكِتَابِيَّ إلَخْ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَهُوَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ وَيَدِينُ بِدِينِ أَبِيهِ اُنْظُرْ إذَا بَلَغَ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَدَيُّنٌ بِوَاحِدٍ مِنْ الدِّينَيْنِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَرُّ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَالِغِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَتَدَيَّنَ بِدِينِ أَبِيهِ) وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُ تَحْلِيفِهِمْ) أَيْ بِاَللَّهِ وَإِذَا أُرِيدَ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِمْ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ بِمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَأَخْرَجَ النَّبَاتِ (قَوْلُهُ: وَالدَّهْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِدِينِ مَنْ تُعْقَدُ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ
(قَوْلُهُ فَهِبَةٌ) أَيْ لِجِهَةِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَانَ)
[حاشية الرشيدي]
بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الْأَصْلَ وَهْم الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْأَصْلِيُّونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ الِانْتِقَالُ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِقَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارُهَا الْكِتَابِيَّ) الَّذِي قَدَّمَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ اعْتِمَادُ حُرْمَةِ نِكَاحِهَا مُطْلَقًا اخْتَارَتْ أَمْ لَمْ تَخْتَرْ، وَهُوَ تَابِعٌ هُنَا لِابْنِ حَجَرٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ ثُمَّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ بَلَغَ ابْنُ وَثَنِيٍّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمَارِّ اخْتَارَ الْكِتَابِيُّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ عَكْسِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute