للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُ الذَّكَرِ الْبَالِغِ: أَيْ الْعَاقِلِ لَا يَلْزَمُ بِصَغَارٍ: أَيْ مِمَّا مَرَّ (وَيُلْجَأُ) وُجُوبًا عِنْدَ ازْدِحَامِ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ (إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِنَحْوِ وُقُوعٍ فِي وَهْدَةٍ أَوْ صَدْمَةِ جِدَارٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَمْشُونَ (وُجُوبًا) إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ بِالْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي طَرِيقٍ إيثَارُهُ بِوَاسِعَةٍ، لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُ أَوْ عَدَّهُ الْعُرْفُ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْمُسْلِمِ كَالتَّعْلِيَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ لِدَوَامِ ضَرَرِ ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ يَنْقَضِي عَجِلًا (وَلَا يُوَقَّرُ وَلَا يُصَدَّرُ فِي مَجْلِسٍ) بِهِ مُسْلِمٌ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ إهَانَةً لَهُ، وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُ وَهُوَ الْمَيْلُ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ لَا مِنْ حَيْثُ وَصْفُ الْكُفْرِ وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَتْ لِأَصْلٍ أَمْ فَرْعٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، وَتُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ ظَاهِرًا وَلَوْ بِمُهَادَاةٍ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ رَحِمٍ أَوْ جِوَارٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي أَمَاكِنَ كَعِبَادَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَأُلْحِقَ بِالْكَافِرِ فِي ذَلِكَ كُلُّ فَاسِقٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِينَاسِ لَهُمْ.

(وَيُؤْمَرُ) وُجُوبًا عِنْدَ اخْتِلَاطِهِمْ بِنَا، وَإِنْ دَخَلَ دَارَنَا لِرِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ اخْتِلَاطِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ (بِالْغِيَارِ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَأَنَّ مَحَلَّ الِامْتِنَاعِ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اسْتِخْدَامِهِ بِأَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَقَامَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ كَجٍّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الذَّكَرُ الْمُكَلَّفُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمَّا غَيْرُ الذَّكَرِ الْبَالِغِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْشُونَ) أَيْ يُمْنَعُونَ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُوَقَّرُ) أَيْ لَا يُفْعَلُ مَعَهُ أَسْبَابُ التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَيْلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَيْلَ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا طَلَبَ حُصُولَ الْمَيْلِ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ إلَى حُصُولِهَا بِقَلْبِهِ، وَإِلَّا فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ التَّكْلِيفِ، وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِهَا يَسْعَى فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا بِحَالٍ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَاضْطِرَارُ مَحَبَّتِهِمَا: أَيْ الْأَبِ وَالِابْنِ لِلتَّكَسُّبِ فِي الْخُرُوجِ عَنْهَا مَدْخَلٌ.

[فَرْعٌ] رَأَى شَخْصٌ يَهُودِيًّا جَالِسًا عِنْدَ بَعْضِ مُلُوكِ الْعَرَبِ فَقَالَ لَهُ:

يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ وَاجِبَهْ ... وَحُبُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ

إنَّ الَّذِي شَرُفْتَ مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبُ

فَغَضِبَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ وَصَفْعِهِ لِاسْتِحْضَارِهِ تَكْذِيبَ الْمَعْصُومِ الَّذِي شَرُفَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ) أَيْ أَوْ يَرْجُو مِنْهُ نَفْعًا دُنْيَوِيًّا لَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَأَنْ فَوَّضَ لَهُ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْصَحُهُ فِيهِ وَيُخْلِصُ أَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِالْكَافِرِ فِي ذَلِكَ) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فَاسِقٌ وَفِي عُمُومِهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ حَمْلُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَيْلٍ مَعَ إينَاسٍ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ مَعَ الْفُسَّاقِ إينَاسًا لَهُمْ، أَمَّا مُعَاشَرَتُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَحْصُلُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كَمَا هُوَ وَاقِعٌ، وَلِلسُّيُوطِيِّ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفٌ حَافِلٌ (قَوْلُهُ: فَلَا ضَرَرَ فِيهِ) أَيْ فَضْلًا عَنْ دَوَامِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ: أَيْ الضَّرَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ: الضَّرَرِ، وَدَوَامِهِ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا الْفَرْقِ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَوْهَمَ قَوْلُهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ إلَخْ خِلَافُهُ، فَمَحَطُّ التَّوَهُّمِ التَّأَثُّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>