للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْأَصْلِ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا غُرْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ الْمَهْرَ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً.

ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ.

وَالثَّانِي يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا بَذَلَهُ مِنْ كُلِّ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، فَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَرْأَةَ لَا يُعْطَى شَيْئًا، وَلَوْ وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ مَنْ لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً، فَإِنْ أَفَاقَتْ رَدَدْنَاهَا لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهَا وَزَوَالِ ضَعْفِهَا، فَإِنْ لَمْ تُفِقْ لَمْ تُرَدَّ، وَكَذَا إنْ جَاءَتْ عَاقِلَةً وَهِيَ كَافِرَةٌ لَا إنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جُنَّتْ أَوْ شَكَكْنَا فَلَا رَدَّ (وَلَا يُرَدُّ) مَنْ جَاءَنَا آتِيًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ رَدَّهُ (صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ) وَأُنْثَاهُمَا (وَكَذَا عَبْدٌ) بَالِغٌ عَاقِلٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةٌ جَاءَ إلَيْنَا مُسْلِمًا، ثُمَّ إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَوْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ عَتَقَ أَوْ بَعْدَهَا وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفَعَ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَلَاءُ لَهُمْ (وَحُرٌّ) كَذَلِكَ (لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِضَعْفِهِمْ، وَقِيلَ يُرَدُّ الْأَخِيرَانِ لِقُوَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا وَقَطْعِ الْبَعْضِ بِالرَّدِّ فِي الْحُرِّ وَالْجُمْهُورُ بِعَدَمِهِ فِي الْعَبْدِ (وَيُرَدُّ) عِنْدَ شَرْطِ الرَّدِّ لَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذْ لَا يَجِبُ فِيهِ رَدٌّ مُطْلَقًا (مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ إلَيْهَا) لِأَنَّهَا تَذُبُّ عَنْهُ وَتَحْمِيهِ مَعَ قُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ (لَا إلَى غَيْرِهَا) أَيْ لَا يُرَدُّ إلَى غَيْرِ عَشِيرَتِهِ الطَّالِبِ لَهُ (إلَّا أَنْ يَقْدِرَ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ أَوْ الْهَرَبِ مِنْهُ) فَيُرَدُّ إلَيْهِ.

(وَمَعْنَى الرَّدِّ) هُنَا (أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا (وَلَا يُجْبَرُ) الْمَطْلُوبُ (عَلَى الرُّجُوعِ) إلَى طَالِبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ (وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ) إلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لَكِنْ فِي الْبَيَانِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ الْبَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، لَا سِيَّمَا إذَا خَشَى عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ بِالرُّجُوعِ (وَلَهُ قَتْلُ الطَّالِبِ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ وَقَتْلَهُ طَالِبَهُ (وَلَنَا التَّعْرِيصُ لَهُ بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنَّمَا هُمْ مُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ» (لَا التَّصْرِيحُ) فَيَمْتَنِعُ، نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَى نَفْسِهِ أَمَانًا لَهُمْ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ شَرْطُ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ

(وَلَوْ) (شَرَطَ) عَلَيْهِمْ فِي الْهُدْنَةِ (أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَّا) (لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ) بِذَلِكَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَمْ رَقِيقًا (فَإِنْ أَبَوْا فَقَدْ نَقَضُوا) الْعَهْدَ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ (وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي قَوْلِهِ وَكَذَا شَرْطُهُ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ شَامِلَةٌ لِهَذِهِ

(قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ) أَيْ النَّدْبَ (قَوْلُهُ: قَدْ شَرَطَ لَهُمْ) أَيْ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً) أَيْ فِي حَالِ جُنُونِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفَاقَتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَصِفْ الْكُفْرَ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ) أَيْ وَهُوَ إلَخْ فَصَبِيٌّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ عَتَقَ) أَيْ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهَا) أَيْ الْهُدْنَةِ أَوْ الْهِجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُرَدُّ الْأَخِيرَانِ) هُمَا الْعَبْدُ وَالْحُرُّ (قَوْلُهُ: إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ فِي زَمَنِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَلَّاحٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَأَرَادَ اسْتِيطَانَ غَيْرِهَا أَجْبَرُوهُ عَلَى الْعَوْدِ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِزَرْعِهِ وَأُصُولِهِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ: بِقَتْلِ أَبِيهِ) أَيْ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ رَدُّهَا بِالْآيَةِ النَّاسِخَةِ وَكَانَ قَدْ شَرَطَهُ لَهُمْ: أَيْ فَتَعَارَضَ عَلَيْهِ وُجُوبُ رَدِّهَا بِالشَّرْطِ وَامْتِنَاعُهُ بِالنَّسْخِ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>