سَيَأْتِي، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّحْوَةِ سُمِّيَتْ بِأَوَّلِ أَزْمِنَةِ فِعْلِهَا وَهُوَ الضُّحَى.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] أَيْ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ النُّسُكَ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» وَالْأَمْلَحُ قِيلَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ، وَقِيلَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (هِيَ) أَيْ التَّضْحِيَةُ إذْ كَثِيرًا مَا تُطْلَقُ الْأُضْحِيَّةُ وَيُرَادُ بِهَا الْفِعْلُ لَا الْمُتَقَرَّبُ بِهِ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّنَا عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَوْ بِمِنًى إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَسُنَّةُ عَيْنٍ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا سُنَّةَ كِفَايَةٍ مَعَ كَوْنِهَا تُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سُقُوطُ الطَّلَبِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا حُصُولُ الثَّوَابِ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، نَعَمْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِمِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ وَاجِبًا.
وَيُوَافِقُهُ تَفْوِيضُهَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ إلَى إرَادَةِ الْمُضَحِّي، وَالْوَاجِبُ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِمَنْ تُسَنُّ لَهُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَمِنْ ثُمَّ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ حُرٍّ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (لَا تَجِبُ إلَّا بِالْتِزَامٍ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ الضُّحَى) عِبَارَةُ حَجّ: وَهُوَ وَقْتُ الضُّحَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمِنًى إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ) قَالَ م ر: وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ مَنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُمْ، قَالَ: وَالْقِيَاسُ عَلَى هَذَا أَنَّ شَرْطَ وُقُوعِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي هُوَ الَّذِي تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ حَتَّى لَوْ ضَحَّى بَعْضُ عِيَالِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ سَوَاءٌ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَغَيْرُهُ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ سُقُوطُهَا بِفِعْلِ أَيِّ بَعْضٍ كَانَ سَوَاءٌ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَتَوَقَّفَ السُّقُوطُ عَلَى بَعْضِهِمْ مُعَيَّنًا وَهُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَفِي حَجّ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهَا سُنَّةَ كِفَايَةٍ (قَوْلُهُ سُقُوطُ الطَّلَبِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: أَشْرَكْتُك أَوْ فُلَانًا فِي ثَوَابِهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ نِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ (قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ) لَا يُقَالُ: هَذَا يَنْدَفِعُ بِالْإِخْبَارِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا.
لِأَنَّا نَقُولُ: أُجِيبَ عَنْ مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ أَقْوَى فِي انْقِيَادِ النُّفُوسِ وَاعْتِقَادِهَا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّرْكُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُخْرِجَةِ لَهُ عَنْ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ تَفْوِيضُهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ أَفْضَلَ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَسَاوَيَا قَدْرًا وَصِفَةً، وَأَنَّ الْبَقَرَةَ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ أُضْحِيَّةً، وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَجْعَلُ الثَّوَابَ الْكَثِيرَ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، خُصُوصًا وَقَدْ جَعَلَ سَبَبَ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ) أَيْ بِأَنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ مُمَوِّنِهِ مَا مَرَّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ انْتَهَى حَجّ.
[فَرْعٌ] لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت هَذِهِ الشَّاةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ، وَإِنْ مَلَكَهَا لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ إنْ مَلَكْتُ شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا فَتَلْزَمُهُ إذَا مَلَكَ شَاةً لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، كَذَا صَرَّحُوا بِهِمَا فَانْظُرْ الرَّوْضَ وَغَيْرَهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ إلَخْ.
وَقَضِيَّةُ مَا فِي الرَّوْضِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ كَذَلِكَ بِالْجَعْلِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
ضَحَايَا إنَّمَا هُوَ جَمْعُ ضَحِيَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَصْلُ فِي كَوْنِهِ لَوْ اشْتَرَكَ غَيْرُهُ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ وَقَدْ قَدَّمَ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ