وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ (بِبَعْضِهَا) مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ جَمِيعِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إرَاقَةِ الدَّمِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْهَدِيَّةُ وَلَا الْجِلْدُ وَنَحْوُهُ مِنْ كَبِدٍ وَكَرِشٍ وَكَذَا وَلَدٌ، بَلْ لَهُ أَكْلُهُ كُلِّهِ وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ ذَبْحِهَا، نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَسِيرِ التَّافِهِ جِدًّا وَيُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ، وَيَجِبُ دَفْعُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ نِيئًا لَا قَدِيدًا، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالشَّحْمِ إذْ لَا يُسَمَّى لَحْمًا، وَلِلْفَقِيرِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَأْخُوذِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ: أَيْ لِمُسْلِمٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي وَلَوْ أَكَلَ الْجَمِيعَ أَوْ أَهْدَاهُ غَرِمَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَيَأْخُذُ بِثَمَنِهِ شِقْصًا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْوَقْتِ لَا الْأَكْلُ مِنْهُ.
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَيَكْفِي فِي الثَّوَابِ إرَاقَةُ الدَّمِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ (وَالْأَفْضَلُ) تَصَدُّقُهُ (بِكُلِّهَا) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ (إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَبِدُهَا لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ» وَحَيْثُ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ وَأَكَلَ الْبَاقِيَ أُثِيبَ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ وَعَلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ادِّخَارُ لَحْمِهَا وَلَوْ زَمَنَ غَلَاءٍ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ، وَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى مُكَاتَبٍ لَا عِنْدَ مَا لَمْ يَكُنْ رَسُولًا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُضَحِّي وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ فَلِوَارِثِهِ أَكْلُهُ، وَيُمْتَنَعُ نَقْلُهَا عَنْ بَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ كَالزَّكَاةِ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ) بِنَفْسِهِ أَوْ يُعِيرُهُ لِغَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَارِثِهِ بَيْعُهُ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَإِجَارَتُهُ وَإِعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ لِخَبَرِ «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» وَلِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا بِذَبْحِهَا فَلَا تُورَثُ عَنْهُ، لَكِنْ يُتَّجَهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ لِوَارِثِهِ وِلَايَةَ قِسْمَتِهِ وَالنَّفَقَةُ كَهُوَ أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِنَحْوِ جِلْدِهَا (وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ) الْمُنْفَصِلُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْبِيرُ بِوَلَدٍ، وَيُذْبَحُ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ إنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا (يُذْبَحُ) وُجُوبًا سَوَاءٌ الْمُعَيَّنَةُ ابْتِدَاءً أَمْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ النَّذْرِ أَمْ بَعْدَهُ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا.
فَإِنْ مَاتَتْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي قَوْلِهِ فَالظَّاهِرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِبَعْضِهَا) أَيْ الْمَنْدُوبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْهَدِيَّةُ) أَيْ لِلْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ: بِالْيَسِيرِ التَّافِهِ جِدًّا) أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَرِطْلٍ (قَوْلُهُ: مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْأَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْوَاجِبَ يَسْقُطُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: أُثِيبَ عَلَى التَّضْحِيَةِ) أَيْ ثَوَابُ الضَّحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَا تَصَدَّقَ) ثَوَابُ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ صَرْفُهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُمْتَنَعُ نَقْلُهَا) أَيْ نَقْلُ الْأُضْحِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْمَنْدُوبَةُ وَالْوَاجِبَةُ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَنْدُوبَةِ حُرْمَةُ نَقْلِ مَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ مِنْهَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَالزَّكَاةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّقْلُ مِنْ دَاخِلِ السُّوَرِ إلَى خَارِجِهِ وَعَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) هَلْ يَكْفِي فِي حُصُولِ السُّنَّةِ أَنْ يُجْعَلَ الْجِلْدُ مِنْ الثُّلُثِ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ وَتُنْسَبَ قِيمَتُهُ إلَى قِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِكَمَالِهَا وَيَضُمَّ لَهُ مِنْ اللَّحْمِ مَا يَبْلُغُ بِهِ قِيمَةَ ثُلُثِ الْأُضْحِيَّةِ، أَوْ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ بِثُلُثِ اللَّحْمِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي طُلِبَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ الْأَوَّلُ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ الثُّلُثَ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهَا بِخُصُوصِ اللَّحْمِ.
لَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِالْأَكْلِ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِاللَّحْمِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ لَمْ يَعْتَبِرْ الْأَكْلَ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بَلْ قَالَ وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ فَجَعَلَ الْأُضْحِيَّةَ كُلًّا وَالْمَأْكُولَ بَعْضًا مِنْهَا وَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْأُضْحِيَّةِ بِاللَّحْمِ (قَوْلُهُ: وَالنَّفَقَةُ) أَيْ مُؤَنُ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَكْلُ جَمِيعِهِ) الظَّاهِرُ جَمِيعُهَا (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُسَمَّى لَحْمًا) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ يُسَمَّاهُ كَمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَبِيعُ اللَّحْمَ بِالْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ: وَالْأَخْبَارُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَالِاتِّبَاعُ وَهِيَ الَّتِي يَسْتَقِيمُ مَعَهَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: أَمْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ) يَجِبُ حَذْفٌ أَمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute