وَفِي الشَّرْعِ: أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ جَامِعٍ أَيْضًا لِخُرُوجِ صَلَاةِ الْأَخْرَسِ فَإِنَّهَا صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا أَقْوَالَ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِيرَادَ الْأَوَّلَ: هَذَا اعْتِرَاضٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ التَّعْبِيرَ بِالْأَفْعَالِ مُخْرِجٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فِعْلٌ وَاحِدٌ مُفْتَتَحٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمٌ بِالتَّسْلِيمِ وَغَيْرُهُمَا أَفْعَالٌ، وَأَيْضًا فَالتَّعْبِيرُ بِالْأَقْوَالِ مُخْرِجٌ لَهُ أَيْضًا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْأَخْرَسِ فَلَا تَرِدُ لِنُدْرَتِهَا.
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ دُعَاءً ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَشْهُورَةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ، وَهَلْ سَبِيلُهُ النَّقْلُ حَتَّى تَكُونَ الصَّلَاةُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَجَازًا لُغَوِيًّا فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ النَّقْلَ فِي اللُّغَاتِ كَالنَّسْخِ فِي الْأَحْكَامِ، أَوْ يُقَالُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ مَجَازٌ رَاجِحٌ، وَفِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ حَقِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ.
وَقِيلَ الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ، وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» أَيْ بَارِكْ عَلَيْهِمْ أَوْ ارْحَمْهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ بَلْ مُفْرَدٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْظِيمُ، وَالصَّلَاةُ تُجْمَعُ عَلَى صَلَوَاتٍ اهـ (قَوْلُهُ: أَقْوَالٌ) قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ مَا عَدَا التَّكْبِيرَ وَالسَّلَامَ لَا مَا يَشْمَلُهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ إلَخْ، وَأَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ ذِكْرَ الِافْتِتَاحِ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ التَّكْبِيرِ عَنْ الْأَقْوَالِ اهـ.
وَأَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ غَلَطٌ وَاضِحٌ وَاللَّائِقُ إزَالَةُ التَّاءِ وَالْحَاءِ مِنْ لَفْظِ التَّحْقِيقِ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ إذْ لَا تُمَيَّزُ تِلْكَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ عَنْ غَيْرِهَا إلَّا بِهَذَا الْقَيْدِ فَلِهَذَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِتَنَاوُلِ التَّعْرِيفِ أَقْوَالَ التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ، وَلِأَنَّ افْتِتَاحَ الشَّيْءِ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ التَّكْبِيرَ قَبْلَهَا خَارِجٌ عَنْهَا وَأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ قَدْ يَكُونُ بِمَا هُوَ مِنْهُ بَلْ وَعَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فَتَأَمَّلْهُ، وَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ الْكِتَابِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ قَطْعًا فَتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: بِالتَّسْلِيمِ) أَلْ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْمَعْهُودَيْنِ بِشَرْطِهِمَا الْآتِي، وَقَوْلُهُ: بِالتَّسْلِيمِ زَادَ حَجّ غَالِبًا فَلَا تَرِدُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ وَصَلَاةُ الْمَرِيضِ الَّذِي يُجْرِيهَا عَلَى قَلْبِهِ، بَلْ لَا يَرِدُ أَنَّ مَعَ حَذْفِ غَالِبًا لِأَنَّ وَضْعَ الصَّلَاةِ ذَلِكَ فَمَا خَرَجَ عَنْهُ لِعَارِضٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ: فَمَا خَرَجَ مِنْهُ لِعَارِضٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي خَرَجَ لِعَارِضٍ هَلْ هُوَ مِنْ الْأَفْرَادِ حَقِيقَةً أَوْ لَا، وَهَلْ يَشْمَلُهُ لَفْظُ التَّعْرِيفِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَالَ مِنْ الْأَفْرَادِ حَقِيقَةً وَلَا يَشْمَلُهُ فَهُوَ وَارِدٌ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ مَمْنُوعٌ قَطْعًا فَتَأَمَّلْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ شَيْءٌ وَضْعُهُ مَا ذُكِرَ وَفِيهِ خَفَاءٌ لَا يَلِيقُ بِالتَّعْرِيفِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ) أَيْ التَّعْرِيفُ (قَوْلُهُ: فِعْلٌ وَاحِدٌ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْعَالٌ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْهَوِيِّ وَالرَّفْعِ وَلَيْسَا مِنْ مُسَمَّى السَّجْدَةِ اهـ بِالْمَعْنَى.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: هَوَى يَهْوِي مِنْ بَابِ ضَرَبَ هُوِيًّا بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا، وَزَادَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ هَوَاءً بِالْمَدِّ سَقَطَ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ.
قَالَ الشَّاعِرُ
هَوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ
يُرْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَاقْتَصَرَ الْأَزْهَرِيُّ عَلَى الْفَتْحِ وَهَوَى يَهْوِي أَيْضًا هُوِيًّا بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ إذَا ارْتَفَعَ قَالَ الشَّاعِرُ
يَهْوِي مَحَارِمُهَا هُوِيَّ الْأَجْدَلِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَالدَّهْرُ فِي أَصْعَادِهَا عَجِلُ الْهُوِيِّ
اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ (قَوْلُهُ: مُخْرِجٌ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَرِدُ لِنُدْرَتِهَا) قِيلَ عَلَيْهِ قَيْدُ الْغَلَبَةِ لَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْرِيفُ فَلَا بُدَّ فِي أَخْذِهِ قَيْدًا مِنْ الْإِشْعَارِ بِهِ.
قُلْنَا: إنَّمَا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ مَخْصُوصَةٌ، فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى قَوْلٍ مَخْصُوصٍ لَكَانَ أَوْلَى إذْ هُوَ صَادِقٌ بِمَا إذَا أَتَى بِالْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ مَثَلًا وَافْتَتَحَهَا بِالتَّكْبِيرِ وَاخْتَتَمَهَا بِالتَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَرِدُ لِنُدْرَتِهَا) وَأَيْضًا فَهِيَ صَلَاةٌ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهَا فَلَا يَرِدُ مَا سَقَطَ لِعُذْرٍ