للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَكَانَتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ الَّتِي فَرَضَ فِيهَا الْخَمْسَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَقِيلَ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ قَبْلَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ الْجَرْمِيِّ: فِي سَابِعِ عَشَرَيْ رَبِيعِ الْآخَرِ، وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رَبِيعُ الْأَوَّلُ، وَقِيلَ سَابِعُ عَشَرَيْ رَجَبٍ، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيَّ.

وَبَدَأَ بِالْمَكْتُوبَاتِ اهْتِمَامًا بِهَا إذْ هِيَ أَفْضَلُ مِمَّا سِوَاهَا فَقَالَ (الْمَكْتُوبَاتُ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ الْعَيْنِيَّةُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (خَمْسٌ) مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَمَّا الْجُمُعَةُ فَسَتَأْتِي فِي بَابِهَا وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

نَعْتَبِرُ الْإِشْعَارَ بِهِ فِي التَّعَارِيفِ الْحَقِيقِيَّةِ كَتَعَارِيفِ الْمَنَاطِقَةِ وَالْحُكَمَاءِ.

وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ فَهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي عَدَمِ ذِكْرِ قَيْدِ الْغَلَبَةِ فِي كَلَامِهِمْ وَيَقُولُونَ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّادِرَ عِنْدَهُمْ كَالْمَعْدُومِ (قَوْلُهُ: وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا) أَيْ فَحَافِظُوا لِلنَّدْبِ أَيْضًا اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ: أَيْ كَمَا أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (قَوْلُهُ: خَمْسِينَ صَلَاةً) نَقَلَ السُّيُوطِيّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَلَوَاتٌ أُخَرُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، بَلْ هِيَ الْخَمْسُ مُكَرَّرًا كُلٌّ مِنْهَا عَشْرُ مَرَّاتٍ وَأَنَّهَا نَسَخَتْ فِي حَقِّنَا فَقَطْ دُونَهُ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَشْهُورُ نَسْخُهَا فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ.

وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ تَسْلِيمُ مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَيَحْتَاجُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ إلَى نَقْلٍ عَنْ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: حَتَّى جَعَلَهَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ صَلَاةً نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ، وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمِائَةَ هِيَ الَّتِي فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، هَذَا وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: ٢٨٦] أَنَّ مِنْ الْإِصْرِ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُفِّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَتْ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيُعَارِضُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الْغَيْطِيِّ مِنْ «أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى بِذَلِكَ قَالَ لَهُ ارْجِعْ إلَى رَبِّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ عَنْك وَعَنْ أُمَّتِك فَإِنَّ أُمَّتَك لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاسَ قَبْلَك وَبَلَوْت بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَالَجْتهمْ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا» اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ الْخَمْسُونَ فَلَمْ يَقُومُوا بِهَا، فَسَأَلَ مُوسَى التَّخْفِيفَ عَنْهُ فَخُفِّفَ بِإِسْقَاطِ الْبَعْضِ فَلَمْ يَقُومُوا بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّخْفِيفِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَمَا نَقَلَهُ الْغَيْطِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَخَمْسَةِ) أَيْ بِسَنَةٍ وَخَمْسَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ سِنِينَ) وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْعَقَائِدِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الشِّفَاءِ أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ) لَمَّا كَانَ الْكَتْبُ غَيْرَ الْفَرْضِ لُغَةً وَأَعَمَّ مِنْهُ شَرْعًا فَسَّرَ الْمُرَادَ هُنَا بِقَوْلِهِ: أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ سم عَلَى حَجّ، وَخَرَجَ بِالْمَفْرُوضَاتِ الرَّوَاتِبُ وَالْوِتْرُ فَلَيْسَتْ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

[فَرْعٌ] سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ هَلْ يُصَلُّونَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لِيُغْرُوا الْعَالِمَ الزَّاهِدَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَسْلُكُهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ يَنْفِي قِرَاءَتَهُمْ الْقُرْآنَ وُقُوعًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْفَاتِحَةَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَهِيَ حَرِيصَةٌ لِذَلِكَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَوْ خَمْسَةٌ) لَعَلَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَقُولِ الْأَكْثَرِينَ: أَيْ سِتَّةٌ: أَيْ وَقِيلَ سِتَّةٌ وَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ) أَيْ الْآتِي فِي قَوْلِهِ الظُّهْرِ إلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>