عَلَى أَنَّهَا خَمْسٌ فِي يَوْمِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ وَخَبَرُ الْأَعْرَابِيِّ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَأَمَّا قِيَامُ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا وَكَذَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَدَّرَ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ بِمَوَاقِيتِهَا لِأَنَّهَا أَهَمُّ شُرُوطِهَا، إذْ بِدُخُولِهَا تَجِبُ وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] الْآيَةَ، أَرَادَ بِالْمَسَاءِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِالصَّبَاحِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَبِ (عَشِيًّا) الْعَصْرَ وَبِ (تُظْهِرُونَ) الظُّهْرَ وقَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩] {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق: ٤٠] وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَبِالثَّانِي صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبِالثَّالِثِ صَلَاتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الصُّبْحَ صَلَاةُ آدَمَ وَالظُّهْرَ لِدَاوُدَ وَالْعَصْرَ لِسُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبَ لِيَعْقُوبَ وَالْعِشَاءَ لِيُونُسَ وَأَوْرَدَ فِيهِ خَبَرًا.
وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْمَكْتُوبَاتِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ زَمَنَ الْيَقَظَةِ مِنْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَاعَةً غَالِبًا اثْنَا عَشَرَ بِالنَّهَارِ وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْ الْغُرُوبِ وَسَاعَتَيْنِ مِنْ قُبَيْلِ الْفَجْرِ فَجَعَلَ لِكُلِّ سَاعَةٍ رَكْعَةً جَبْرًا لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ التَّقْصِيرِ.
وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْخَمْسِ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدٌ كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَبْدَى غَيْرُهُمْ لَهُ حِكَمًا مِنْ أَحْسَنِهَا تَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ بِهَا نَشْأَتَهُ، إذْ وِلَادَتُهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنُشْؤُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْإِنْسَ، غَيْرَ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ يَقْرَءُونَهُ اهـ حَاشِيَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِلرَّمْلِيِّ.
رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَاتِقِهِ، فَكُلَّمَا يُكَبِّرُ أَوْ يَسْجُدُ تَتَسَاقَطُ عَنْهُ» حَاشِيَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إبْلِيسَ وَجُنُودَهُ لَا يُصَلُّونَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَلَا يَفْعَلُونَ مَا هُوَ طَرِيقٌ لِلْمَغْفِرَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْمَكْتُوبَاتِ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّنَا) أَيْ قَطْعًا (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِالْمَسَاءِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ قَالَ سم عَلَيْهِ: أَيْ بِالتَّسْبِيحِ حِينَ تُمْسُونَ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ فِي كَلَامِهِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} [الأنبياء: ٢٢] الصَّلَاةُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَبِعَشِيًّا الْعَصْرَ) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ: الْعَشِيُّ بِالْفَتْحِ الظُّلْمَةُ كَالْعَشْوَاءِ أَوْ مَا بَيْنَ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى رُبُعِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالْعَشِيُّ وَالْعَشِيَّةُ آخِرُ النَّهَارِ اهـ.
أَيْ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ مِنْ الْإِطْلَاقِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَنَّ الصُّبْحَ إلَخْ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَوْلُهُ: وَوَرَدَ أَنَّ الصُّبْحَ إلَى آخِرِ مَا فِي الشَّرْحِ، قِيلَ وَهَذِهِ الصَّلَوَاتُ تَفَرَّقَتْ فِي الْأَنْبِيَاءِ، فَالْفَجْرُ لِآدَمَ وَالظُّهْرُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْعَصْرُ لِسُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبُ لِعِيسَى رَكْعَتَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَرَكْعَةً عَنْ أُمِّهِ وَالْعِشَاءُ خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ بَعْضَ ذَلِكَ فَجَعَلَ الظُّهْرَ لِدَاوُدَ وَالْمَغْرِبَ لِيَعْقُوبَ وَالْعِشَاءَ لِيُونُسَ وَأَوْرَدَ فِيهِ خَبَرًا، وَالْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ أَنَّ الْعِشَاءَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا اهـ.
وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ فَلْيُرَاجَعْ: أَيْ وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ مَا الْجَوَابُ عَمَّا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا لِيُونُسَ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا كَانَتْ لِيُونُسَ دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّهَا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَوْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ.
وَقَوْلُهُ رَكْعَتَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ: أَيْ مُكَفِّرَةً لِمَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ دَعْوَى الْأُلُوهِيَّةِ وَرَكْعَةً عَنْ أُمِّهِ لِمَا نُسِبَ إلَيْهَا مِنْ رَمْيِهَا بِالْأُلُوهِيَّةِ أَيْضًا.
وَفِي سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ: وَفُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمِعْرَاجِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى الْمَغْرِبِ ثُمَّ زِيدَ فِيمَا عَدَا الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ وَالْمَغْرِبَ رَكْعَةً اهـ.
أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ كَانَتْ تُفْعَلُ عَشْرًا، وَأَنَّ جُمْلَةَ الرَّكَعَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا مِائَةٌ عَلَى مَا كَانَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِ عَقِبَ الْإِسْرَاءِ.
(قَوْلُهُ: نَشْأَتَهُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالنَّشْأَةُ وِزَانُ التَّمْرَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَنَشَأْت فِي بَنِي فُلَانٍ نَشْئًا: رُبِّيت فِيهِمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إذْ وِلَادَتُهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الصَّلَوَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ.