كَارْتِفَاعِهَا وَشَبَابُهُ كَوُقُوفِهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَكُهُولَتُهُ كَمَيْلِهَا وَشَيْخُوخَتُهُ كَقُرْبِهَا لِلْغُرُوبِ وَمَوْتُهُ كَغُرُوبِهَا، وَيُزَادُ عَلَيْهِ وَفَنَاءُ جِسْمِهِ كَانْمِحَاقِ أَثَرِهَا وَهُوَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، فَوَجَبَتْ الْعِشَاءُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا بِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ كَمَالَهُ فِي الْبَطْنِ وَتَهْيِئَتَهُ لِلْخُرُوجِ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُشَبَّهِ بِالْوِلَادَةِ فَوَجَبَ الصُّبْحُ حِينَئِذٍ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَكَانَ حِكْمَةُ كَوْنِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ بَقَاءَ كَسَلِ النَّوْمِ وَالْعَصْرَيْنِ أَرْبَعًا تَوَفُّرَ النَّشَاطِ عِنْدَهُمَا بِمُعَانَاةِ الْأَسْبَابِ وَالْمَغْرِبِ ثَلَاثًا أَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ مِنْ الْبَتْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَأُلْحِقَتْ الْعِشَاءُ بِالْعَصْرَيْنِ لِيَنْجَبِرَ نَقْصُ اللَّيْلِ عَنْ النَّهَارِ إذْ فِيهِ فَرْضَانِ وَفِي النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ لِكَوْنِ النَّفْسِ عَلَى الْحَرَكَةِ فِيهِ أَقْوَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهَا خَمْسًا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الدَّجَّالِ، أَمَّا فِيهَا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَوَّلَهَا كَسَنَةٍ وَثَانِيهَا كَشَهْرٍ وَثَالِثُهَا كَجُمُعَةٍ، وَالْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّقْدِيرِ وَيُقَاسُ بِهِ الْأَخِيرَانِ بِأَنْ يُحَرَّرَ قَدْرُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَتُصَلَّى، وَكَذَا الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ الزَّمَانِيَّةِ وَغَيْرِ الْعِبَادَةِ كَحُلُولِ الْآجَالِ، وَيُجْرَى ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً.
وَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَلِفِعْلِهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ: أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ بِهَا فِي قَوْلِهِ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَّمَهَا جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ كَغَيْرِهِ بِهَا وَبِوَقْتِهَا فَقَالَ (الظُّهْرُ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ الْآتِي وَإِنَّمَا بَدَأَ بِهَا وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ صَلَاةٍ حَضَرَتْ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ الصُّبْحَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ لَهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ أَوْ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِهَا وَلَمْ يُبَيَّنْ إلَّا وَقْتُ الظُّهْرِ (وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) أَيْ الظُّهْرِ (زَوَالُ الشَّمْسِ) أَيْ عَقِبَ وَقْتِ زَوَالِهَا يَعْنِي يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالِاسْمُ النُّشْءُ وِزَانُ قُفْلٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفَنَاءُ جِسْمِهِ) هِيَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَاسْمٌ لِمَا اتَّسَعَ أَمَامَ الدَّارِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْوَاحِدَةَ (قَوْلُهُ: الدَّجَّالِ) هُوَ بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمَوْجُودٌ الْآنَ وَاسْمُهُ صَافُ بْنُ الصَّيَّادِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ يَهُودِيٌّ اهـ مُنَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ أَوَّلَهَا (قَوْلُهُ: بِالتَّقْدِيرِ) أَيْ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ. فَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» اهـ.
وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ ذِكْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيُقَاسُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَوَّلَ صَلَاةٍ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِكْمَةِ الْأَوَّلِيَّةِ احْتِيَاجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى تَعْلِيمِ جِبْرِيلَ كَيْفِيَّتَهَا وَالتَّعْلِيمُ فِي أَظْهَرِ الْأَوْقَاتِ أَظْهَرُ وَأَبْلَغُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَوَّلَ صَلَاةٍ حَضَرَتْ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِقَضَاءِ الْعِشَاءِ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ مِنْ الْإِسْرَاءِ آخِرَ اللَّيْلِ. قُلْت: يَجُوزُ أَنَّهُمْ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْإِسْرَاءِ، أَوْ أَنَّ وُجُوبَهَا مَشْرُوطٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ إعْلَامِ أُمَّتِهِ وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ لِعَدَمِ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِعْلَامُ بَعْدَ عَوْدِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ) وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا يَرِدُ عَلَى الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ قَضَاؤُهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ وَمِثْلُهُ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) يُجْمَعُ عَلَى أَوْقَاتٍ جَمْعَ قِلَّةٍ وَوُقُوتٍ جَمْعَ كَثْرَةٍ اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: زَوَالُ الشَّمْسِ) ذَكَرَهُ حَمْلًا لِلظُّهْرِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ عَلَى الْوَقْتِ أَوْ الْحِينِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الظُّهْرُ مَضْمُومًا: أَيْ مُضَافًا إلَى الصَّلَاةِ مُؤَنَّثَةٌ فَيُقَالُ دَخَلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَمِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ يَجُوزُ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، فَالتَّأْنِيثُ عَلَى مَعْنَى سَاعَةِ الزَّوَالِ، وَالتَّذْكِيرُ عَلَى مَعْنَى الْوَقْتِ وَالْحِينِ فَيُقَالُ حَانَ الظُّهْرُ وَحَانَتْ الظُّهْرُ وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا بَاقِي الصَّلَوَاتِ (قَوْلُهُ: بِالزَّوَالِ) أَيْ فَالزَّوَالُ عَلَامَةٌ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا سَبَبٌ وَعِلَّةٌ كَمَا فِي شَرْحِ جَمْعِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .