للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ عَارِفًا بِالْحِسَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ اشْتِرَاطَهُ فِي الْمُفْتِي فَالْقَاضِي أَوْلَى لِأَنَّهُ مُفْتٍ وَزِيَادَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِلُغَةِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ: أَيْ حَيْثُ كَانَ ثَمَّ عَدْلٌ يُعَرِّفُهُ بِلُغَتِهِمْ وَيُعَرِّفُهُمْ بِلُغَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْعُقُودِ أَنَّ الْمَدَارَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا عَلَى مَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ، فَلَوْ وَلِيَ مَنْ لَا يُعْلَمُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَتَبَيَّنَ اجْتِمَاعُهَا فِيهِ صَحَّتْ تَوْلِيَتُهُ، وَلِلْمُوَلِّي إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي الصَّالِحِ عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ بِمَا ذُكِرَ.

وَيُنْدَبُ لَهُ اخْتِبَارُهُ لِيَزْدَادَ فِيهِ بَصِيرَةً (وَهُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) وَلَوْ لَمْ يَحْفَظْ ذَلِكَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي خَمْسِمِائَةِ آيَةٍ وَلَا خَمْسِمِائَةِ حَدِيثٍ لِلِاسْتِنْبَاطِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ قَاضِيَةٌ بِبُطْلَانِهِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ أَرَادَ الْقَائِلُ بِالْحَصْرِ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّالِمَةِ مِنْ الطَّعْنِ فِي سَنَدٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ الْأَحْكَامَ الْخَفِيَّةَ الِاجْتِهَادِيَّةَ كَانَ لَهُ نَوْعُ قُرْبٍ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إنَّهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْوُهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ لَا تَكَادُ تَخْلُو عَنْ حُكْمٍ أَوْ أَدَبٍ شَرْعِيٍّ أَوْ سِيَاسَةٍ دِينِيَّةٍ، وَيَكْفِي اعْتِمَادُهُ فِيهَا عَلَى أَصْلٍ مُصَحَّحٍ عِنْدَهُ يَجْمَعُ غَالِبَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد: أَيْ مَعَ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِهِ، وَمَا لِلنَّاسِ فِيهِ مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ (وَخَاصَّهُ) مُطْلَقًا أَوْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ (وَعَامَّهُ) رَاجِعٌ لِمَا مُطْلَقًا أَوْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَمُطْلَقُهُ وَمُقَيَّدُهُ (وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ) وَالنَّصَّ وَالظَّاهِرَ وَالْمُحْكَمَ (وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ) وَهُوَ آحَادُهَا لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ.

(وَ) الْحَدِيثَ (الْمُتَّصِلَ) بِاتِّصَالِ رُوَاتِهِ إلَى الصَّحَابِيِّ فَقَطْ، وَيُسَمَّى الْمَوْقُوفَ أَوْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُسَمَّى الْمَرْفُوعَ (وَالْمُرْسَلَ) وَهُوَ مَا سَقَطَ فِيهِ الصَّحَابِيُّ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضَلَ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُتَّصِلِ (وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا) لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ، نَعَمْ مَا تَوَاتَرَ نَقْلُهُ وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى قَبُولِهِ لَا يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَةِ نَاقِلِيهِ وَلَهُ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ إمَامٍ عَرَفَ صِحَّةَ مَذْهَبِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (وَلِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا) وَصَرْفًا وَبَلَاغَةً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ) فَمَنْ بَعْدَهُمْ اجْتِمَاعًا وَاخْتِلَافًا لَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُرِيدُ النَّظَرَ فِيهَا بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا لَا يُخَالِفُ إجْمَاعًا وَلَوْ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ (وَالْقِيَاسَ بِأَنْوَاعِهِ) مِنْ جَلِيٍّ، وَهُوَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ كَقِيَاسِ ضَرْبِ الْأَصْلِ عَلَى التَّأْفِيفِ أَوْ مُسَاوٍ، وَهُوَ مَا يَبْعُدُ فِيهِ انْتِفَاءُ الْفَارِقِ كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لَهُ اخْتِبَارُهُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِاخْتِبَارِ اكْتَفَى بِإِخْبَارِ الْعَدْلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ وَقَوْلُ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَعَامُهُ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ إمَامٍ) أَيْ لِرَاوِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَبْعُدُ فِيهِ انْتِفَاءُ الْفَارِقِ) الْأَوْلَى كَمَا عَبَّرَ بِهِ حَجّ مَا يَبْعُدُ فِيهِ الْفَارِقُ بَيْنَ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلِهِ لَيْسَ مُسْتَبْعَدًا بَلْ هُوَ الْقَرِيبُ بَلْ الْوَاقِعُ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إتْلَافًا لِمَالِهِ فَيَكُونَانِ مُسْتَوِيَيْنِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يَبْعُدُ فِيهِ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَيْ الْمُجْتَهِدِ) أَيْ وَالْمُرَادُ مَا أَشْعَرَ بِهِ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ قُبَيْلَهُ إذْ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعْرَفَ إلَخْ، فَالْمَعْنَى الِاجْتِهَادُ مَعْرِفَةُ الشَّخْصِ مِنْ الْكِتَابِ إلَخْ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِمَا) أَيْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَخَاصَّةً (قَوْلُهُ لَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُرِيدُ النَّظَرَ فِيهَا) اُنْظُرْهُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لِمَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُرِيدُ النَّظَرَ فِيهَا بِالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ، قُلْنَا: فَهُوَ إذًا عَارِفٌ بِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْمُجْتَهِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِنَاءً عَلَى اتِّصَافِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ دُونَ بَعْضٍ فَلْيُتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>