وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمُحْكَمَ، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِقَاضٍ وَالنِّسَاءِ بِآخَرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ فَقِيهٌ فَاسِقٌ وَعَامِّيٌّ عَدْلٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عِنْدَ جَمْعٍ وَالثَّانِي عِنْدَ آخَرِينَ، وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِسْقَ الْعَالِمِ إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَوْلَى، أَوْ بِالظُّلْمِ وَالرِّشْوَةِ فَالْعَدْلُ أَوْلَى وَيُرَاجِعُ الْعُلَمَاءَ.
(وَيَنْدُبُ لِلْإِمَامِ) أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِ (إذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) لِيَكُونَ أَسْهَلَ لَهُ وَأَقْرَبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْخُطَّةِ (فَإِنْ نَهَاهُ) عَنْهُ (لَمْ يَسْتَخْلِفْ) اسْتِخْلَافًا عَامًّا لِعَدَمِ رِضَاهُ بِنَظَرِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَا فُوِّضَ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُمْكِنِ وَتَرَكَ الِاسْتِخْلَافَ، وَلَوْ وَلَّاهُ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةَ اخْتَارَ الْمُبَاشَرَةَ فِي إحْدَاهُمَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ اخْتَارَ إحْدَاهُمَا فَهَلْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ الْأُخْرَى أَوْ يُبَاشِرُ كُلًّا مُدَّةً؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ وَهُوَ الِانْعِزَالُ، وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَجَمْعٌ أَنَّ التَّدْرِيسَ بِمَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِمُبَاشَرَةِ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَرَجَّحَ آخَرُونَ الْجَوَازَ وَيَسْتَنِيبُ وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ أَمَّا الْخَاصُّ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَقَطَعَ الْقَفَّالُ بِجَوَازِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، نَعَمْ التَّزْوِيجُ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِ الْيَتِيمِ مُمْتَنِعٌ حَتَّى عِنْدَ هَؤُلَاءِ كَالْعَامِّ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الِاسْتِخْلَافَ اسْتَخْلَفَ مُطْلَقًا أَوْ التَّوْلِيَةَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى بَعْضِهِ (اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ (لَا غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَالثَّانِي يَسْتَخْلِفُ فِي الْكُلِّ كَالْإِمَامِ، نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِمَا تَوَلَّاهُ كَقَضَاءِ بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ، وَلَوْ طَرَأَ لَهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ اسْتَخْلَفَ جَزْمًا، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ نَظَرَ فِيهِ الْعِزِّي بِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَلْيَكُنْ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ عَنْ النِّيَابَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى نَهْيِهِ عَنْهَا وَلَوْ مَعَ الْعُذْرِ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ بِأَنْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا لَمْ يَنْهَ مُوَلِّيَهُ عَنْ طَلَبِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ اهـ حَجّ.
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ مِثْلُهُ نَقْلًا عَنْ وَالِدِهِ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمُحَكَّمَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِقَاضٍ وَالنِّسَاءِ بِآخَرَ) وَبَحَثَ فِي الرَّجُلِ فَالْمَرْأَةِ إذْ الْعِبْرَةُ بِالطَّلَبِ مِنْهُمَا اهـ حَجّ.
وَقَوْلُهُ فَالْمَرْأَةُ: أَيْ إذَا كَانَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ خُصُومَةٌ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا رَجُلًا (قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْحُسْبَانِيُّ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْخِطَّةِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْخِطَّةُ الْمَكَانُ الْمُخْتَطُّ لِلْعِمَارَةِ، وَالْجَمْعُ خِطَطٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْخَاءُ لِأَنَّهَا أُخْرِجَتْ عَلَى مَصْدَرِ افْتَعَلَ مِثْلُ اخْتَطَبَ خِطْبَةً وَارْتَدَّ رِدَّةً وَافْتَرَى فِرْيَةً. ثُمَّ قَالَ: وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ الْحَالَةُ وَالْخَصْلَةُ وَفِي الْقَامُوسِ وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ أَحَدُ الْأَخْشَبَيْنِ بِمَكَّةَ وَمَوْضِعُ الْحَجْرِ اهـ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ فَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْخَاءِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ تَوْلِيَتَهُ لَا تَنْفُذُ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ آخَرُونَ الْجَوَازَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ بْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ) وَكَالْمُدَرِّسِ الْخَطِيبُ إذَا وَلِيَ الْخُطْبَةَ فِي مَسْجِدَيْنِ وَالْإِمَامُ إذَا وَلِيّ إمَامَةَ مَسْجِدَيْنِ، وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَتَيْنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَمَّا الْخَاصُّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَامًّا (قَوْلُهُ: فَقَطَعَ الْقَفَّالُ بِجَوَازِهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ الْآتِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أُطْلِقَ اُسْتُخْلِفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَخْ
[حاشية الرشيدي]
صَاحِبِ الْيَدِ.
قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ قَدْ حَكَمَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ، وَخَرَجَ مِنْ هَذَا تَخْصِيصُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْأَلُ: أَيْ سُؤَالَ اعْتِرَاضٍ، أَمَّا سُؤَالُ مَنْ يَطْلُبُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ الْإِبْدَاءُ لِيَجِدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ التَّخَلُّصَ انْتَهَتْ.
لَكِنَّ كَلَامَ الْخَادِمِ هَذَا كَمَا تَرَى شَامِلٌ لِقَاضِي الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ لِلتَّعَالِيلِ الَّتِي ذَكَرَهَا
(قَوْلُهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ لَيْسَ، لِأَنَّ الزَّرْكَشِيَّ إنَّمَا يَخْتَارُ عَدَمَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَدْرَسَتَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ وَيُصَرِّحُ بِهِ تَعْلِيلُهُ وَمَا قَابَلَهُ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ (قَوْلُهُ: حَتَّى عِنْدَ هَؤُلَاءِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute